تتطلب عملية الترجمة مجموعة معايير ما وراء لغوية، بالإضافة إلى المفهوم الذي تؤكده المنهجية اللغوية الضيقة، التي مفادها أن الترجمة تتضمن نقل المعنى الذي تحتويه مجموعة من الإشارات اللغوية إلى مجموعة من الإشارات اللغوية الأخرى، عن طريق المهارة في استخدام القاموس والقواعد.

ويميز رومان ياكوبسون في مقالته "حول المظاهر اللغوية للترجمة" ثلاثة أنواع لها، أولها "الترجمة ضمن اللغة الواحدة، وتعني تفسير الإشارات اللفظية بوساطة إشارات أخرى في اللغة نفسها"، وثانيها "الترجمة بين لغتين مختلفتين (الترجمة الصرفة)"، وهي تفسير الإشارات اللفظية باستخدام إشارات لغة أخرى. أما النوع الثالث للترجمة فهو "ترجمة سيمياء نصين (التحويل)"، وتعني تفسير الإشارات اللفظية بوساطة إشارات نظم إشارات غير لفظية.

ويشير ياكوبسون إلى المشكلة الأساسية في الأنواع كلها، ففي حين أن الرسائل قد تكون تفسيراً مناسباً للرسائل أو الوحدات المرمزة، فلن يوجد بصورة اعتيادية مكافئ تام من خلال الترجمة، ولا تمنح المترادفات الواضحة ذلك التكافؤ. وهنا يزعم ياكوبسون أن الترجمة هي مجرد تفسير ملائم لوحدة ترميز غريبة، وأن وجود المكافئ هو أمر مستحيل. وهكذا لا بدّ للمترجم أن يعمل على مقولات تتخطى المعايير اللغوية المحضة، وتجري بذلك عملية من فك الترميز وإعادة الترميز، حيث يوضح أنموذج يوجين نايدا المراحل التي تتطلبها هذه العملية (نص اللغة الأصل > التحليل > التحويل > إعادة الصياغة > تركيز لغة المتلقي).

من ناحيته ميّز كاتفورد بين نوعين من عدم القابلية للترجمة، وهي ما يسميه بالنوع اللغوي والنوع الثقافي، فعلى الصعيد اللغوي تكون الترجمة غير ممكنة عندما لا يوجد بديل مفرداتي أو نحوي في اللغة الهدف يقابل الكلمات المعنية في اللغة الأصل. أما عدم إمكانية الترجمة من الناحية الثقافية، فيعود إلى عدم وجود حالة وظيفية تتعلق بالموضوع المترجم في ثقافة اللغة الهدف مقابل نص اللغة الأصل.

تاريخ نظرية الترجمة

في كتابه "ما بعد بابل" يقسم جورج شتاينر الأدب الصادر حول نظرية الترجمة وممارستها وتاريخها إلى أربع حقب، حيث يزعم أن الحقبة الأولى تمتد من أقوال شيشرون (وهو رأس في الترجمة) إلى نشر مقال "في مبادئ الترجمة" لألكسندر فريزر تيتلر عام 1791، وتتميز هذه الحقبة بالاعتماد على التركيز التجريبي المباشر، والذي يعني أن التصريحات والنظريات حول الترجمة تنبثق مباشرة من الممارسة العملية للترجمة.

وتتميز الحقبة الثانية بأنها حقبة النظريات والبحث التأويلي بخصوص تطور مفردات البحث وطرائقه في الترجمة، وهي الحقبة التي تمتد إلى نشر مقال "في ضوء استرحام سانت جيروم" للأربود عام 1946.

وبدأت الحقبة الثالثة بنشر الأوراق الأولى للترجمة الآلية في الأربعينيات من القرن العشرين، وتتميز بظهور اللغويات البنيوية ونظرية التواصل في دراسة الترجمة. أما الحقبة الرابعة بالنسبة إلى شتاينر، فهي امتداد للحقبة الثالثة، وترجع أصولها إلى أوائل الستينيات، وتتميز بالارتداد إلى بحوث تأويلية وميتافيزيقية في الترجمة والترجمة الشفوية، أي أنها تتميز برؤية عن الترجمة تضع ذلك العلم ضمن إطار واسع يتضمن عدداً من العلوم الأخرى.

المنظرون الأوائل

من الكتّاب الأوائل الذين حاولوا وضع نظرية للترجمة، هو الكاتب الفرنسي إتيين دوليه، والذي نشر في العام 1540 ملخصاً قصيراً عن مبادئ الترجمة "الطريقة الأفضل للترجمة من لغة إلى أخرى"، حدد من خلاله خمسة مبادئ للترجمة بيّن من خلالها أنه على المترجم أن يفهم تماماً معنى المؤلّف الأصلي، كذلك عليه أن يكون ملمّاً بكلتا اللغتين (الأصل والهدف)، وأن يتجنّب الترجمة كلمة بكلمة، وأن يستخدم صيغ الكلام الشائعة، أيضاً عليه أن يختار الكلمات ويرتبها بشكل مناسب ليقدم عبارات ذات نبرة صحيحة. وهذه المبادئ أكدت أهمية فهم النص في اللغة الأصل على أنه المطلب الأساس.

ومن المنظرين الأوائل أيضاً جورج تشايمان المترجم الفذ لأعمال هوميروس، والذي رأى أنه على المترجم أن يتجنب الترجمة كلمةً بكلمة، وأكد على أهمية محاولة المترجم الوصول إلى روح النص الأصلي، وأن يتجنب الإسهاب في الترجمة، فالمترجم بالنسبة إلى تشايمان يجب أن يُحدث تقمصاً للنص الأصلي من خلال الناحيتين التقنية والميتافيزيقية بوصفه معادلاً منجزاً بحذق مع الواجبات والمسؤوليات تجاه المؤلف الأصلي والجمهور على حد سواء.

ترجمة النص الأدبي

على الرغم من وجود حجم كبير من الأعمال التي تناقش القضايا المتعلقة بترجمة الشعر، فقد تمّ إنفاق وقت أقل من ذلك بكثير على دراسة المشكلات الخاصة بترجمة النثر الأدبي، ربما بسبب المكانة العالية التي يحتلها الشعر، لكن الاحتمال الأقوى يعود إلى انتشار المفهوم الخاطئ بأن الرواية ذات تركيب أبسط من القصيدة نوعاً ما، وبالتالي فإن ترجمتها أسهل، لكن يبدو أيضاً من الواضح أن المسرح كذلك هو مجال من أكثر المجالات المهملة، حيث هناك مواد قليلة جداً تتحدث عن المشكلات الخاصة بترجمة النصوص المسرحية، كما أن تصريحات مترجمي المسرح غالباً ما تلمح إلى أن المنهجية المستخدمة في عملية الترجمة هي نفسها التي تتناول النصوص الروائية.

----

الكتاب: دراسات الترجمة

الكاتب:سوزان باسنت

ترجمة: د. فؤاد عبد المطلب

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب