يقدم كتاب "أعلام النقد الفني في التاريخ" تعريفاً بأهم أعلام النقد الفني في العالم وفي منطقتنا عبر عصور عدّة، ومن أبرزهم أعلام النقد الفني في "سورية" كاسيوس لونجنوس الحمصي والقديس يوحنا الدمشقي.

كاسيوس لونجنوس الحمصي

وُلد لونجنوس في حمص، ودرس الأدب والفلسفة وعلوم اللغتين اليونانية واللاتينية، ثم انتقل إلى مدينة أثينا للدراسة، فعكف على دراسة الفلسفة اليونانية وعلوم اللغة اليونانية كالبلاغة والبيان والخطابة وأوزان الشعر، وقد لفت أنظار المدرسين في أثينا فتم اختياره كمدرس للغة اليونانية وآدابها. ثم انتقل في العام 262 م من أثينا إلى روما، وتابع دراسته الفلسفية في مدرسة أفلوطين، ليرجع بعدها إلى حمص كعَلَم لا يجارى في علوم عصره وثقافته في اليونانية واللاتينية. كذلك التحق ببلاط ملك الشرق أذينة الكبير، وبدأ بتعليم اللغة اليونانية وآدابها في تدمر.

وفترة التأليف عند لونجنوس تمتد بين ذهابه إلى روما 262 م وعودته للإقامة في تدمر، وقد وضع حينئذٍ مؤلفه "نحو ما هو سامٍ بالفن" على شكل شذرات اعتمد فيها على إصدار الحكم النقدي لتحديد مواطن البلاغة أو البيان في مادة أدبية يكتب اسم مؤلفها ثم يقرن ذلك مباشرة بالشاهد لهذا الكاتب أو لغيره من كُتاب اللغة اليونانية.

لم يقف اهتمام الأدب الأوروبي بلونجنوس عند كتابه "نحو ما هو سامٍ بالفن" فقط، بل حرص على أن ينسب له مكرمة العثور وتنقيح وإخراج الشعر الغنائي الذي نظمته الشاعرة سافو، والتي اعتبرت قصيدتها "أغنية لأناكتوريا" من أفضل أشعارها، وقد أوردها لونجنوس في محضر إطرائه لجيد الشعر الغنائي.

ولم تتقف مراجع تاريخ الأدب الأوروبي عن ذكر فضل لونجنوس على أشعار سافو، لكن جهوده في حفظ وتنقيح أشعارها وضعته في مرتبة عالية بالنسبة إلى النقد الأوروبي، ودلت على ذوقه الرفيع في اختيار الشعر الجميل العذب.

القديس يوحنا الدمشقي

وُلد في دمشق عام 655 م، واسمه في الكنيسة ودائرة دمشق يوحنا نسبةً للقديس يوحنا الأول، وفي وسط الأسرة سمي منصور تكريماً لجده.

أتقن منصور في فترة مبكرة من حياته اللغة اليونانية التي أتيح له أن يتعلمها على يد جده وأبيه في البداية، ثم أُتيح له أن يتثقف بها على يد علامة غيور على اللغة اليونانية وثقافتها وهو الراهب الأسير قوزما الصقلي، كما أخذ منصور اللغة السريانية وهي اللغة الثانية للثقافة في المدن السورية والشرق، وقد كانت في تلك المرحلة لغة الفلسفة والعلوم القديمة والحديثة، ومادة غنية للمثقفين السوريين، ثم أتقن اللغة العربية وحفظ وتذوق الشعر العربي واطلع على شيء من الشعر الجاهلي، وألمّ بشعر الأخطل الكبير واستيعاب معاني شعره وشعر خصومه من أصحاب النقائض كجرير والفرزدق وغيرهما.

كتب الدمشقي ثلاث مقالات استعرض فيها ثقافته الفلسفية الواسعة وذوقه الجمالي، ومن ضمنها التوسع في عرض مفهوم الأيقونوغرافية الدينية، هذا بالإضافة إلى إلمامه بجمال وتناسق وتأثير ملامح الصور الوجهية، ونشرَ وأضاف على معلومات أيقونوغرافية الصور الوجهية مدح المبدعين من مصوري الوجوه الدينية، وذكر روائع اللوحات الوجهية السورية، ثم ساق البراهين على شرعية الأيقونات.

وفي مؤلفاته كان صاحب ديباجة بسيطة وواضحة، وكان كاتباً متقناً يُحسن تنسيق عناصر مؤلفاته، يُسهب في استطرادات جدلية، ويحشد العدد الوافد من الأفكار، ولم يكن يغفل أي بند من بنود آراء الآخرين، بل جمعها كلها ووزعها حسب جدول ردّ على نقاطه بصورة مفصلة.

أما مقالاته وأبحاثه فتتوزع حول أهم موضوعات العصر، حيث تناول الفلسفة من عهد منطق أرسطو، وحثّ في أمور الديانة المسيحية، وردّ على كتابات معظم المارقين والمنتقدين للإيمان المسيحي، وأفاض في الكتابة عن جماليات الأيقونات وقداستها، وكتب حول الموسيقا الكنسية، وألف الأناشيد الخاصة بالأعياد المسيحية والقدّاسات، ويُعتبر كتابه "ينبوع المعرفة" من أهم مؤلفاته، إلى جانب اهتمامه بالشعر وبأسلوب إلقائه وإنشاده.

النقد الفني في سورية

وُضعت أول مقدمة نقدية في سورية عام 1948 في دار الحمصي في حلب، عندما قدّم الشاعر عمر أبو ريشة والأديب سامي كيالي معرضاً فنياً لعدد من الفنانين، حيث جاءت قصيدة أبو ريشة تتحدث عن التمثال والأنموذج، وجاء حديث الكيالي يتحدث عن المعرض كظاهرة حضارية، كان ذلك كتابع لما يفعله المثقفان الحلبيان القديمان غالب سالم ومنيب النقشبندي في أحاديثهما عن مسائل الفن وتاريخه منتصف ثلاثينيات القرن العشرين.

في أواخر الخمسينيات فتح الدكتور سليم عادل عبد الحق أبواب المتحف الوطني في دمشق لاستقبال المناقشات المفتوحة حول معروضات المعرض السنوي، فشارك في ذلك منير سليمان وحسن كمال وبشير زهدي وغيرهم. ثم انتقلت بعض السجالات إلى الصحافة المحلية بعد العام 1958 وخصصت بعض الصحف صفحات كاملة للفنون.

أما في فترة الستينيات، فقد ظهرت عن صالة الفن الحديث عشرات الكتب عن مسائل علم الجمال والتعريف بالفنانين الأجانب والسوريين على حساب وزارة الثقافة وصالة الفن الحديث العالمي بدمشق، وساهم بتحرير هذه الكتب د. بديع الكسم ود. نايف بلوز ود. نهاد رضا وعفيف بهنسي وغيرهم.

وفي بداية السبعينيات نُشرت مؤلفات مهمة حول علم الجمال الماركسي وقضايا الفن الأوروبي، ثم انتقل النشاط النقدي إلى صفوف المعهد العالي للفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة وهيئة الإذاعة والتلفزيون السوري وقاعتي المركز الثقافي العربي في دمشق وصالة الفن الحديث العالمي في دمشق أيضاً.

وقد أثمرت الحركة الفنية في هذه الفترة بنشوء كلية الفنون الجميلة وكلية العمارة، ونقابة الفنون الجميلة، وتوسع مديرية الفنون الجميلة في وزارة الثقافة، ونشوء مراكز الفنون التشكيلية في المحافظات، وزيادة أعداد الكتب الفنية التي صدرت بشكل فردي.

----

الكتاب: أعلام النقد الفني في التاريخ

الكاتب: د. عبد العزيز علون

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب