يعتبر كتاب "20 قصة أرمنية" أحد المشاريع المهمة والجادة، هدفه الانفتاح على آداب الطرف الآخر، ويمثل ما جاء في المجموعة أجيالاً متعاقبة من كتّاب القصة، كما أنّها تغطي قرناً زمنياً من حياة الأرمن، ومعظمها ينتمي إلى الروح الشرقية في التعبير عن إحساس قوي بالبيئة، وهناك تنوع في مواضيعها، يدل على تأثرها بآداب الشعوب الأخرى.

هل هناك صفات مشتركة بين القصة العربية والأرمنيّة؟ بالطبع، هناك الكثير من الصفات المشتركة، لذلك سيجد القارئ العربي أنها مألوفة بالنسبة إليه، ما يؤكد وجود تشابه بين الثقافتين.

اتسمت المجموعة القصصية التي تضم قصصاً للروّاد بالاهتمام باللغة برز لدى عدد من الكتاب في مرحلة ما قبل المجزرة المرتكبة من قبل العثمانيين بحق الأرمن، وراح ضحيتها ما يقارب مليون ونصف مليون إنسان أرمني، حيث صور المؤلفون حياة الفلاحين والقرى. ويمكن تصنيفها ضمن المدرسة الواقعية، وأبرز مريديها "كريكور زوهراب" المتأثر بأدب موباسان وبلزاك، بالإضافة إلى وجود كتّاب تم تصنيفهم بين كتّاب الواقعية مثل أربيال أربياران، نارتوس، بروخان وغيرهم.

المدرسة الجمالية

أدى انغماس الكتاب الأرمن في المجتمع الأوروبي والأمريكي وبعض البلدان العربية وتأثرهم بتلك المجتمعات الجديدة، إلى تصنيفهم ضمن المدرسة الجمالية. ومن روادها: أفيدوس أهاروبيان في قصته "الصمت"، والكاتبة زابيل يسايان في قصة "بين الظلال"، هاكوب أوشاكان في "البسطاء". من ناحية أخرى، برز ما يسمى الأدب المهجري الأرمني، فتميزت الأعمال بقوة حبكتها، وتركيزها على الحياة في الوطن الأم. ومن أبرز التيارات الأدبية الأوروبية التي استقطبت كتاب المهجر هو تيار الواقعية الاشتراكية بنسختها الفرنسية كما في قصة "مرحى لمن يرفع الراية" للكاتب أفيليك إيساهاكيان.

في الحقيقة، لا يمكننا القول إنّ القصة الأرمنية مختلفة عن بقية القصص في أنحاء العالم، لاسيما تلك القصص التي كُتبت في المهجر، وصوّرت حياة الفلاحين القاسية، وتأثير البيئة والطبيعة على العلاقات ضمن الأسرة والمجتمع كما في قصة "ماركار الطبّان" للكاتب هامسديغ، وفي قصة "المكنسة المهترئة" للكاتب بنيامين نوريكيان، حيث تبرز فيها معاناة الإنسان الأرمني المهاجر الذي كان يقبل بأي عمل حتى لو كان في تنظيف الشوارع، حيث يقول الكاتب معبراً عما آل إليه حال الشعب الأرمني: "سقط العم آكوب في أرض أمريكا، فذوى الحنين إلى الوطن تحت رماد قلبه، تشبث بها بأظفاره كرجل يحاول النجاة من الغرق فيشبك يديه ورجليه بلوح عائم فوق مياه مزبدة"؛ فقد استخدم الكاتب الفعل "سقط" مع ما يحمله من معاني التدهور وسوء الأحوال.

بينما في قصة "حبة قلب طيب" للكاتب شاهان شاهور، فيشير الكاتب عبر شخصية القصة الرئيسية، وهي سيدة بملامح غريبة، إلى مجزرة الأرمن وأوضاع الناجين منها في البلاد التي هاجروا إليها. فهم يعانون من الفقر والذل، ويجدون صعوبة بالغة في الاندماج في المجتمعات الجديدة، وربما هذا الأمر دفع الشاب الذي تعرفت عليه السيدة - ذات الملامح الغريبة- إلى الإقدام على الانتحار كحل نهائي لكل ما يعاني منه.

وفي قصة "أوهان الحمّال" للكاتب سيمون سيمونيان، يصور الكاتب الظروف القاسية التي لاحقت الأرمن من خلال شخصية أوهان الذي قبل العيش في قبو صغير لا تدخله الشمس مع ابنه الوحيد بعد اختطاف زوجته، وكان يعمل حمّالاً، لكن هذا العمل لا يناسب المتقدمين في السن، حيث بلغ أوهان التسعين من عمره ولم يعد باستطاعته حمل الأشياء الثقيلة، ما دعاه إلى تشبيه حياته وحياة أمثاله بجهنّم بسبب شدة المعاناة وقسوة الحياة والواقع.

كما نجد في قصة "الحمّام" للكاتب هوفانيس ملكونيان إشارة واضحة إلى الحرب وويلاتها على الشعب الأرمني من خلال تخصيص الحمام المشيَّد حديثاً في إحدى الضواحي لمشوهي الحرب وتفضيلهم على غيرهم بالدخول إليه، وأعدادهم كبيرة، فمنهم من خسر طرفاً من أطرافه وآخر فقد عيناً، أو امتلأت أجساد البعض بالندوب الدائمة.

وهكذا تتنوع قصص المجموعة البالغة عشرين قصة، لكن جميعها يعكس الحالة المزرية للشعب الأرمني من خلال تسليط الضوء على حالات فردية، لتكون أنموذجاً للمجتمع بأكمله.

لقد وصف الأديب الراحل وليد إخلاصي المجموعة بقوله: "في مجملها قصص أرمنية بامتياز، ما يعطي الكتاب نكهة خاصة، تجعلنا نقرأ صفحة الواقع الأرمني في الوقت الذي نستقرئ فيه تاريخه من أساطير وخرافات وأحلام ونزعات إلى الشعور بأهمية أن يكون الأبطال من الأرمن، وهم ينتسبون إلى إنسانية هذا الكون".

----

الكتاب: 20 قصة أرمنيّة

ترجمة : لوسي قصابيان- غسان كنجو

الناشر: الجمعية الخيرية العمومية الأرمنية بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب، فرع حلب