يقول جوزيف جوران: "الجودة لا تحدث بالصدفة، بل يجب أن يكون مخططاً لها" ولهذا نجد أن بدايات إدارة الجودة في المؤسسات التعليمية بدأت خلال عقد الثمانيات من القرن العشرين وكان مخططاً لها وفقاً لتطبيق أفكار إدوارد ديمنغ في حقل التعليم العالي خلال عام 1991 – 1992 في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد بدأت الجودة من تقدير الاحتياجات والمتطلبات ومن ثم تحليل المنتج التعليمي وتبني مواصفات الجودة وتطبيق المقاييس والمصادقة على المنتج النهائي، وصولاً مرة ثانية إلى الاحتياجات والمتطلبات التي هي في حالة تجدد مستمر.

تقول الدكتورة رنا ميا رئيس قسم التدقيق الداخلي بمراكز ضمان الجودة وأستاذ مساعد بكلية الهندسة المدنية بجامعة تشرين: بدأ الموضوع من تساؤل مهم لماذا لا يوجد ولا جامعة سورية معتمدة؟ وبعدها بدأت دائرة العمل من أجل تقدير احتياجاتها ومتطلباتها من خلال جملة من المعايير والمقاييس وصولاً إلى المنتج النهائي وهو الخريج الجامعي. ومع أن الأمر يبدو متأخراً لدى مؤسساتنا التعليمية إلا أن المولود الجديد في إحداث هيئة الجودة والاعتمادية يعتبر خطوة هامة في لمّ شمل العمل المبعثر لدى هذه المؤسسات، فهي تمتلك العديد من مقومات الاعتمادية ولكن بجهود متفرقة وغير منظمة، إضافة إلى غياب هذه الثقافة لدى قناعات الكثيرين وخاصة من الإداريين وأعضاء الهيئات التدريسية الذين يجدون أنهم تجاوزوا مرحلة التقييم.

الدكتورة رنا ميا

مطلب ملح للجامعات

هناك معايير كثيرة للجودة وأقلها البحث في المناهج التدريسية في الجامعات والتأكيد على التقييم الذاتي لمستوى الأداء التعليمي، وتقدير احتياجات السوق من كل اختصاص بدلاً من تخريج آلاف الطلبة الذين لا يجدون عملاً لهم يتناسب مع اختصاصهم. وهناك مقاييس تتعلق بأداء الأساتذة والمدرسين ومستوى المخابر والخدمات التعليمية في كل مؤسسة تعليمية. وعليه تحدثت الدكتورة ميا عن تجربة جامعة تشرين في موضوع الجودة من خلال محور التدقيق الداخلي والمعايير المستخدمة فيه والنتائج التي وصلوا إليها والفائدة التي تحققت وهل هذا ساعد الجامعة بتطبيق الجودة أما لا؟ مشيرة إلى أن الموضوع أصبح حتمياً، وهناك تهديدات بالغة الخطورة، فعندما يكون هناك جامعة عمرها 30 أو 40 عاماً ويأتي طرف ما يقول أنا لا أعترف بالخريجين لديكم، فهذا خطر محدق بالجامعات وخاصة أنها أصبحت متطلباً دولياً لكل الجامعات. وهو الأساس الذي تأسس عليه مركز ضمان الجودة وقد بدأ العمل على هذه المعايير منذ عشر سنوات. وقالت: عندما نعمل بمنهجية الجودة سيكون هناك زيادة في الرضا من قبل الطلبة وسوف تتغير ثقافتنا ونستفيد من الموارد وتتحقق الميزة التنافسية. وعليه تم العمل بشكل دقيق لنصل حالياً إلى ضمن أول 300 جامعة عالمية.

بين الجودة والاعتمادية

ما هو الرابط بينهما؟ وخاصة أن نظم إدارة الجودة تعتمد على نظرية ديمينج التي تقول إذا كنت تريد تصدير منتج جيد عليك التخطيط الجيد والتنفيذ والقياس. كما أنه لا بد من قيادة جيدة للخطط يعمل عليها أفراد بصفة القائد مع الفريق، وأن يكون هناك تقييم يومي أو أسبوعي أو شهري لمعرفة إن كان المنتج مطابق للخطة. هذا ما تم العمل عليه في جامعة تشرين وفي عدة جامعات أخرى وفقاً لما أوضحته الدكتورة رنا ميا مشيرة إلى وجود ضعف في موضوع التخطيط والتقييم، وهذا يضعف نظام الجودة في الكليات. فكان لابد من الطلب من كافة الكليات تقديم ما لديها من خطط مناسبة وطبعاً ليس المقصود الخطة الدراسية لكونها لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من العمل. وقد تم في جامعة تشرين تدريب أكثر من 1000 عضو هيئة تدريسية على كل مفردات الاعتماد الأكاديمي منها التخطيط والتقييم وضمان الجودة للعملية التعليمية. إضافة إلى نشر ثقافة التقويم كأساس للتطوير خلال عشر سنوات وإقامة استبيان للطلاب لتقويم الأداء وهل وصلت المعلومات المطلوبة من المحاضرات إليهم.

ولفتت إلى أنهم في تجربة جامعة تشرين اعتمدوا معايير اتحاد الجامعات العربية لكونها غير معقدة. وحالياً يتم الاعتماد على معايير الهيئة الوطنية للجودة التي تحمل حوالي 400 قضية أو معيارا والتي من المهم تخفيضها قليلاً بالنسبة إلى جامعات عاشت سنوات طويلة من الحرب.

تفاصيل التجربة

التدقيق الداخلي عملية سنوية منظمة ومستقلة للالتزام بالأساسيات بحيث تشكل كل كلية فريقاً من أفرادها وتقوم بالتقييم الذاتي، لتكون بعدها عملية التدقيق الداخلي بمشاركة شخص مؤهل من خارج الكلية لكي يكون مستقلاً عن العملية وغير متعاطف معها. هذا الإجراء تحدثت عنه رئيس قسم التدقيق الداخلي بمراكز ضمان الجودة مشيرة إلى ضرورة الاعتماد على الإجراءات المكتوبة في هذا التصنيف كي لا يكون العمل عشوائياً، لأن الهدف من التدقيق هو تحسين نظام الجودة وليس وضع نقاط ضعف على الأشخاص. وكذلك معرفة إن كانت المعايير مطبقة وما ينقص حتى يكون أفضل، وخاصة أن جامعة تشرين لديها خطط وأهداف استراتيجية مقرة ومعتمدة لتعزيز القيادة وتحسين الموارد البشرية. ولهذا فإن التدقيق الداخلي مهم لمعرفة كيف تنفذ هذه الأهداف وما يواجهها من مشكلات وكيف يمكن تحسينها.

وبينت ميا أن العمل بدأ بتشكيل فريق تدقيق عام 2011 وأصبح رسمياً عام 2013 وصدرت أكثر من مذكرة تدقيق من رئاسة الجامعة، وأقيم عدد من دورات تدقيق نظم الجودة بحيث تم الوصول إلى35 قائد مدقق قاموا بأكثر من 100 زيارة تدقيق لكليات جامعة تشرين. ومنذ خمس سنوات تم إنشاء دليل لرؤساء الأقسام يتضمن كل الأعمال المتعلقة بالجودة مع النماذج الخاصة بها ووزعت على الجميع، وكذلك دليل لأعضاء الهيئة التدريسية ودليل للعملية الامتحانية. فكان التدقيق وفقاً لهذه الأدلة وعلى المواصفة الدولية 19/1011 وكان التركيز في فترة الصيف بحيث لا توجد امتحانات وضغط على الكليات.

الرؤية والرسالة

حددت وزارة التعليم العالي 37 معياراً وهي مجتزأة من المعايير الكبيرة البالغ عددها 200 معيار. وفي تجربة جامعة تشرين وفقاً للدكتورة ميا، تم التركيز على معايير القوة والضعف والأشخاص القائمين على العملية التعليمية وتوصيفهم وما هي المخابر وهل هناك توصيف وظيفي أو سجلات مصدقة، وأشارت بأنهم واجهوا صعوبة في جعل الدكتور يكتب توصيفاً حول مقرره والوسائل التي يستخدمها وطريقة المحاضرة. وقد احتاج هذا الأمر أكثر من عامين لجعله عادياً بالنسبة إليهم. وأكدت ضرورة التدقيق لكي يلتزم الجميع بتطبيق النظم التي وضعها الفريق مع الانتباه لكل إجراء بالتدقيق. فعلى سبيل المثال في محور الرؤية والرسالة في كل الكليات ووفقاً للمعاير الموضوعة، تبين أن هناك تطبيقاً لثلاث معايير بشكل كامل، وهناك معايير غير مطبقة منها عدم توفر صندوق فعال لمتابعة شكاوى الطلاب وعدم وجود توثيق أو نظم للحوافز وعدم التزام تقييم أداء أعضاء الهيئة التدريسية ولا توجد خطط تطويرية في عدد من الكليات، ولكن هناك تحسناً بالتوصيف ووجود استبيانات للطلاب، وفي استخدام التقويمات الدورية كأسلوب لضبط العمليات في العديد من الكليات، بينما تقديم الخدمات التعليمية لا يزال يتم وفق إمكانيات وأسلوب عضو الهيئة التدريسية. وعليه هناك حاجة لوضع معايير محددة لتقديم المنتجات والخدمات وآليات ضبطها.