في كتابه "في فلسفة التاريخ" اتبع المؤرخ خاليد فؤاد طحطح فحصاً دقيقاً للمنهج التاريخي الذي هدف من خلاله إلى الفهم الفلسفي للقضايا التاريخية وإبراز السنن التي تتحكم في قيام الدول والحضارات والعوامل التي تؤدي إلى سقوطها وانهيارها، بالإضافة إلى أهم النظريات في فلسفة التاريخ.

يرى المؤرخ خاليد أن مفهوم فلسفة التاريخ قد تطور في الدراسات التاريخية الحديثة، فأصبح يشير إلى معنين اثنين من جوانب دراسة التاريخ، المعنى الأول يجعل من فلسفة التاريخ دراسة لمنهج البحث من حيث الطرق المستعملة في الكتابة التاريخية، ونوعية الوثائق المعتمدة، وكيفية التحقق من الأخبار ومدى الموضوعية والحياد في تحليل الأحداث بهدف القيام بفحص دقيق لمنهجية المؤرخ التاريخية، أما المعنى الثاني لفلسفة التاريخ فهو تقديم وجهة نظر عن المسار التاريخي ككل، حيث يفيد هذا المعنى الاهتمام بالأسباب والعوامل التي تؤدي إلى ظهور أنماط معينة في حركة التاريخ واكتشاف القوانين المتحكمة فيها، ومن ثم إمكانية التنبؤ بسير المستقبل البشري.

تطرق الكاتب إلى أهم نظريات فلسفة التاريخ في محاولة للاقتراب من الفهم الفلسفي للقضايا التاريخية وإبراز السنن التي تتحكم في قيام الدول والحضارات، والعوامل التي تؤدي إلى سقوطها وانهيارها، حيث إن الاهتمام بالأسباب والعوامل تؤدي إلى ظهور أنماط معينة في حركة التاريخ، من خلال دراسة حول الكيفية التي اتسع بها مفهوم التاريخ من تدوين للأحداث وسرد لتراجم الزعماء والرؤساء ليصبح منهجاً خاصاً ذا قواعد صارمة. وقد ظهرت وجهات نظر مختلفة قدمت تصورها العام لمسار التاريخ فظهرت تصورات على هذه الخلفية من النظريات المشار إليها من أشهرها: القول بالتطور نحو المجتمع الحر كما هي الحال عند فريدريك هيغل، أو تحقيق مجتمع اللاطبقات وفقاً لكارل ماركس، أو تحقيق إرادة الله عند القديس أوغسطينوس، أو الدورة الحضارية عند الفيلسوف ابن خلدون، إضافة إلى نظريات أخرى لا تقل أهمية وضعها اشبنغلر، توينبي، باتيستا فيكو وسواهم. إن هذا التعدد الموجود في نظريات فلسفة التاريخ يعود إلى التفسيرات التاريخية للحوادث ليست سوى اجتهادات بشرية قابلة للنقد والمراجعة.

قسم الكاتب كتابه إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول كان عبارة عن مدخل بعنوان "مفاهيم" الغرض منه توضيح أهم المصطلحات والمفاتيح المرتبطة بفلسفة التاريخ وإبراز العلاقات الموجودة بين الفكر التاريخي والفكر الفلسفي، أما الفصل الثاني تم تقسيمه إلى بحثين، الأول بعنوان التفسير المثالي للتاريخ "أنموذج جورج هيغل" والثاني بعنوان التفسير المادي للتاريخ "أنموذج كارل ماركس"، حيث ناقش الباحث في هذا الفصل أهم الاختلافات الموجودة بين الأنموذجين مع إبداء بعض الملاحظات والتعليقات النقدية، أما الفصل الثالث تحدث الكاتب عن نظريات التعاقب الدوري للحضارات في التاريخ مع تفصيل في محاورها، بالإضافة إلى قراءات كل من ابن خلدون وفيكو واشبنغلر وتوينبي باعتبارها أهم وأشهر النظريات في فلسفة التاريخ.

يستنتج المؤلف أن الأخطار التي تتهدد العالم لا تنبئ بأي حال من الأحوال بنهاية محتملة للتاريخ. كما أن الديموقراطية ليست النهاية المنطقية للتاريخ. فالولايات المتحدة نفسها، وهي أحد أكبر معاقل الديموقراطية الليبرالية في العالم، لا تشعر بالأمان. كما أن سقوط الاتحاد السوفييتي، مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم يعن أبداً نهاية الأحداث وتوقف التاريخ. على النقيض من ذلك، فقد تسارعت الأحداث والنزاعات والتحديات، على نحو يدعو الى القلق. وقد لا تسفر التطورات المستجدة، عن تعزيز للعولمة أو ما يسمى النظام العالمي الجديد.

وأخيراً نجد أن هذا الكتاب يضيف إلى بحوث فلسفة التاريخ دراسة قيمة وجديدة بأن الأبحاث في ميدان فلسفة التاريخ لن تتوقف نظراً لارتباطها بحاضر البشرية ومستقبلها، كما إنها ستظل دائماً موضوعاً مثاراً للجدل والخلاف مادامت الحياة مسرحاً للأحداث والوقائع التي تخضع لمتغيرات الحياة وتطوراتها.

----

الكتاب: في فلسفة التاريخ

الكاتب: خاليد فؤاد طحطح

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف، 2009