الفهارس وهي جمع فهرس أو فهرست، وهي كلمة فارسية، معناها الكتاب الذي تجمع فيه أسماء الكتب، ويبيّن الدكتور صلاح الدين المنجد في كتابه "قواعد فهرسة المخطوطات العربية" أنه لم يصلنا من فهارس المكتبات إلا أنموذجان، الأول فهرست كتب خزانة التربة الأشرفية، والثاني سجل مكتبة جامع القيروان.

في العصر الأيوبي عرفت دمشق نهضةً علمية بفضل ملوك بني أيوب، فتوافد كبار العلماء إليها، وأُنشئت مدارس كثيرة للحديث والفقه على مختلف المذاهب، وأُقيمت مكتبات مختلفة في المدارس والجامع والتُرب.

ومن الملوك الذين شجعوا العلم الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب، الذي بنى مدرستين في دمشق، الأولى دار الحديث الأشرفية المشهورة، وعند وفاته دُفن بتربة في شمال جامع دمشق في الكلاسة، وجُعل في تربته مكتبة كبيرة.

وقد عثر الدكتور رمضان ششن من جامعة استانبول على فهرس كتب خزانة التربة الأشرفية في مكتبة فاتح، وهو من أهم الوثائق لدراسة الحياة العلمية في العصر الأيوبي، ومعرفة أنواع الكتب التي كانت متداولة في ذلك العصر، ويحتوي الفهرس على 2117 كتاباً، كما أن واضعه رتبه على الأسماء تبعاً لترتيب الحروف الأبجدية، ويقف هذا الفهرس عند حرف الميم، ويدل هذا على أن ترتيب الكتب على الحروف الأبجدية ليس حديثاً بل عرفه المسلمون قديماً.

وقد وضع واضع الفهرس الحروف الأبجدية قبل الكتب التي تبدأ بها، مع ذكر اسم مؤلفه في أغلب الأحيان وعدم ذكره في أحيان أخرى، مع ذكر عدد النسخ من كل كتاب، كما رُتبت الكتب حسب أحجامها، وهذا يدل أيضاً على أن المسلمين عرفوا ترتيب الكتب حسب الأحجام، وإلى جانب ذلك أشار واضع الفهرس إذا كانت النسخة كلها بخط واحد وحجم واحد أم لا، وإذا كان ناقصاً ذَكر ذلك أيضاً.

وفي فهرس خزانة التربة الأشرفية نجد أيضاً وصف المجاميع يختلف قليلاً عن وصف الكتب المفردة، ويُعد هذا الفهرس جامعاً للبذور الأولى لأصول فهرسة المخطوطات، وإن كانت هذه البذور غير منظمة لكنها تعتبر أساساً لفهرسة المخطوطات في أيامنا.

أما مكتبة جامع القيروان فقد سُجلت فيها الكتب التي كانت موجودة في سنة 693 هجرية، وتكاد تختص هذه المكتبة بميزة لا توجد في غيرها، فهي تحتفظ بعدد كبير من المصاحف التي كُتبت على الرقوق من المئة الثالثة والرابعة والخامسة من الهجرة.

نوادر من تراثنا

يعتبر فهرست ما رواه أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي الإشبيلي عن شيوخه من الدواوين المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف من نوادر تراثنا الإسلامي، ومن أعظم الكتب شأناً لمعرفة عدد كبير من مؤلفات القدامى، ولمعرفة حدود الثقافة التي يمكن لعالم مسلم أن يبلغها، وقد نشر هذا الفهرست المستشرق الإسباني فرنسشكه قداره زيدين سنة 1883.

وهناك مخطوط آخر مثل فهرس ابن خير يُعتبر من أجود فهارس المرويات وأغزرها مادة وهو كتاب "صلة الخلف بموصول السلف" لمحمد بن محمد ابن سليمان السوسي الروداني، أيضاً فهرسة مرويات حجر المتوفي سنة 852 هجرية، وفي الظاهرية مخطوطة منه كُتبت سنة 1094 ولا ذكر لاسم واضع هذه المخطوطة.

فهارس الكتب الموقوفة

فيما يتعلق بفهارس الكتب الموقوفة فإن هذا النوع قد لا يكون قائماً بنفسه في كتاب واحد، فقد يكون ضمن كتاب الوقف مع كتب أوقاف أخرى، وقد يكون كتاب الوقف كله قائماً على ذكر ما أوقف من الكتب، ومنها كتاب وقف أسعد باشا العظم والي دمشق على مكتبة والده إسماعيل باشا العظم، ويتضمن كتاب الوقف هذا 92 كتاباً في 187 مجلداً في التفسير والحديث والأصول والفقه والتاريخ والتراجم واللغة، وكتاب الوقف هذا هو أشبه بقائمة بسيطة للكتب.

أما كتاب وقف المكتبة الأحمدية في حلب فهو فهرس حديث نُظم سنة 1935 عن فهارس قديمة، فيه الكتب مرتبة حسب الفنون وتاريخ كتابة كل كتاب.

وفيما يتعلق بفهارس مؤلفات العلماء فهي فهارس تركها لنا العلماء المسلمون، وما وصل إلينا منها يقسم بحسب طريقة تأليفه إلى ثلاثة أقسام: فالأول أن يؤلف العالم نفسه كتاباً أو رسالة يذكر فيها أسماء مؤلفاته، والثاني أن يقوم عالم بتأليف رسالة يذكر فيها مؤلفات عالم آخر، والثالث أن يذكر المؤلف أسماء مؤلفاته في إحدى إجازاته لمن طلب روايتها عنه.

المخطوطات العربية في أوروبا

لم يبدأ العلماء الأوروبيون فهرسة المخطوطات العربية بل الشرقيين العرب، وأول فهرست صدر في أوروبا هو فهرس مخطوطات فلورنسة في إيطاليا وضعه راهب من لبنان اسمه اسطفان عواد السمعاني 1742 م. وقد وضع هذا الراهب مع راهب آخر اسمه شمعون السمعاني فهرساً للمخطوطات الموجودة في مكتبة الفاتيكان، وصدر ثالث فهرس للمخطوطات العربية في الإسكوريال في إسبانيا وضعه الراهب اللبناني ميشيل الغزيري. ثم توالى بعدها ظهور فهارس المخطوطات الشرقية ويدخل فيها العربية والسريانية والفارسية والتركية.

في العصر الحديث

يُعتبر فهرس كتبخانة إبراهيم باشا داماد في إستانبول أقدم فهرس صدر في البلاد الإسلامية في القرن الماضي، تلاه فهرست كتبخانة راغب باشا، ثم ظهر في تونس دفتر المكتبة الصادقية، وفي مصر ظهر الفهرست القديم للكتبخانة الخديوية في القاهرة، كذلك ظهر في العام 1881 فهرس المكتبة العمومية في دمشق، وفي العام 1882 أمر السلطان عبد الحميد الثاني بوضع فهارس لمكتبات إستانبول الخطية.

وبدأت القاهرة عام 1888 بإصدار فهارس جديدة للكتب المحفوظة في الكتبخانة الخديوية، ثم توالى بعد ذلك ظهور الفهارس في البلاد العربية.

----

الكتاب: قواعد فهرسة المخطوطات العربية

الكاتب: د. صلاح الدين المنجد

الناشر: دار الكتاب الجديد