يكثر الحديث عن الأوبرا وقصصها، ولكن ما هو تاريخها ونشأتها، وكيفية الاستمتاع بسماعها، فذلك يحتاج الى ثقافة من نوع خاص بها وفق رؤية كل بلد نتجت منها قصة أوبراتية تحاكي الحدث التاريخي وغالباً ما درس كتاب "من قصص أشهر الأوبرات" قروناً تاريخية سابقة في بناء درامي نقدي تفصيلي.

يحتوي كتاب "من قصص أشهر الأوبرات" للمؤلف ميلتون كروس على أكثر من عشرين قصة أوبراتية إضافة إلى موجز عن تاريخ ولادة الأوبرا وكيفية الاستماع إليها. يؤكد المؤلف أن ولادة تاريـخ الأوبرا كان في إيطاليا نهاية القرن السادس عشر، والتأثيرات التي قادت إلى ولادتها متجذرة في العصور القديمة. فمنذ قرون مضت كان الممثلون، عندما يلقون درامات سوفوكليس وإسخيلوس الفخمة، وأشعار شعراء اليونان التراجيديين، ترافقهم أحياناً الآلات الوترية والنفخية، وكورس ينشد تعليقاً على حدث الدراما، إذ يمثل جزءاً منهما للمسرحية وبالطبع كان من المحتم في آخر الأمر أن تقدم الموسيقا والدراما إحداهما الأخرى، لكن قروناً مرت قبل أن تنجز العقول الموسيقية ذلك الاتحاد السار.

لعل التطور الذي وصلت إليه الأوبرا كما نعرفها اليوم، خضعت لعملية ثورية وتطورية بدأت منذ أكثر من أربعمئة عام، ونشأت الأوبرا من ثورة على الكتابة البوليفونية المعقدة جداً التي سادت في القرن السادس عشر، وأنجزت الثورة في إيطاليا في بداية القرن السابع عشر تقريباً على يد جاكوبو بيري في أوبراه دافني، وقد امتد تأثير هذه الثورة شمالاً من إيطاليا عبر أوروبا باعثاً الروح في الفعاليات لتبدأ حركتها باتجاهات موازية.

كيف تستمتع إلى الأوبرا

يرى الكاتب أنه لكي تستمتع بأي شيء ينبغي أن تفهمه، وفيما يتعلق بالأوبرا ثمة على الأقل ثلاثة سبل رئيسية لفهمها حتى لو لم تشاهد عرضها، قراءة القصة: دراسة الـ ليبريتو "نص الأوبرا"، الاستماع إلى الموسيقا عن طريق التسجيلات أو نسخة آلية محولة (للبيانو) وفي الواقع فإن قراءة القصة لها الأهمية الأولى إذ إن القصة هي الإطار الأساسي للموسيقا، ولا يكتمـل فـهـم أوبـرا مـا إذا كانت القصة مشوشة أو غير واضحة بالنسبة إلى المستمع في البداية، ينبغي أن تدرك أن قصص العديد من الأوبرات تبدو ضعيفة، وغير منطقية، والبعض الآخر من القصص تتضمن رمزية مبهمة (أوبرا بيلياس وميليزاند لـ ديبوسي)، وبعض من عالم الأساطير "خاتم النيبيلونغ لـ فاغنر"، وبعض الأوبرات من المدرسة الحديثة محيرة كما هو حال الرسم التجريدي (أربعة قديسين في ثلاثة فصول لـ تومسون، التي تحتوي على كلمات غير مفهومة، أو كلمات مفهومة تبدو لا علاقة لها بالكلمات الأخرى).

إن اكتشاف الأوبرا لا يتوقف عند قراءة القصة بحد ذاتها في الواقع، كلما ازددت معرفة بالأوبرا وبعلاقتها مع أشكال الثقافة الأخرى، تمتعت بها أكثر. إن الكتب التي كتبت حول الأوبرا تغطي كل جانب من جوانبها، فهنـالك كتب سير المؤلفين، وكتب التحليل الموسيقي، ومقـالات النـقـد الخاصـة بـالأوبرات، وترجمات القصائد والكلمـات المغنـاة مـع شـرح الحبكات، وقصص حول الشخصيات الأوبرالية الشهيرة، هذا النوع من القراءة يساعدك على ربط الأوبرا بعصرها بكلمات أخرى، أن تعيشها، أن تعرف من هو الفنان، بماذا يفكر، وأين يقف بالنسبة إلى العالم من حوله يعني معرفتك بعمله.

وربما كانت الطريقة المثلى لدراسة أوبرا قبـل مشاهدة عرضها هي في تتبع مدونتها الموسيقية أثناء الاستماع إليها من الراديو أو من التسجيلات. وإذا كان من الصعب تتبع المدونة الموسيقية للأوبرا، عندئذ يكون الليبريتو ضرورياً ويتمتع بأهمية قصوى، ويعترف الجميع بأن ترجمة النصوص الأوبرالية ليست دائماً ممتعة، لكنها تعطي على الأقل فكرة حول القصة وعلى الأغلب فإن ترجمة الأوبرات الكبيرة الأساسية شاقة ومتكلفة، لأنه من المستحيل تقريباً الوصول إلى إدراك تام للفقرات الشعرية التي أعدت بالدرجة الأولى لتغنى.

أما الأوبرات التي تنتمي إلى المدرسة الواقعية "الفروسية الريفية، البوهيمية، المهرجـون" فهـي أسهل على الترجمة، وتنجح ترجمتها لأن الأحاسيس والعواطف مصورة بواقعية أكبر، أما الترجمات الفاغنرية فهي بوجه عام ثقيلة ومعقدة جداً تتناسب مع النشر المعقـد الـذي ابتكره المؤلف ليناسب متطلباته الدراماتيكية. إن التأثير الكامل لإيقاعات فاغنر الشعرية المتدفقة وجناساته الباهرة لا يستطيع إدراكها إلا الذين يفهمون الألمانية، ولكن غياب الصياغات التفصيلية لنصوص القصائد الغنائية لأوبرا ما، يدفع بوجه عام إلى العمل من خلال الليبريتو للفهم ما الذي تدور حوله الحبكة في ثنائي الحب بين إيلـرا ولـوهنغرين في الفصل الثالث من أوبرا لوهنغرين على سبيل المثال، تقاطع أكوردات قائمة ومظلمة تدفق موسيقا الحب المتألفة، إن المعنى الحقيقي لهذا التغير في المزاج لن يدركه المستمع إلا إذا عرف أنه في هذا الموضع.

إن الاعتيـاد على سـمـاع كلمات الأغنيـة يساعد على تمييز اللاتيموتيف أو اللحـن الـدال وفهمه، وهذه طريقة في استكشاف شخصية ما موسيقياً، ويستخدمها على نطاق واسع مؤلفون أمثال فيبر وفاغنر وبيزيه، وهي دليل فاغنر الرئيسي، أثناء الاستماع إلى أوبرات خاتم النيبيلونغ لفاغنر، على سبيل المثال، ربط أقوال الشخصيات بالموتيفات المحـددة كما تعرضها الأوركسترا، فإن عناصر الموسيقا والـدراما تقع شيئاً فشيئاً في المنظـور.

----

الكتاب: من قصص أشهر الأوبرات

الكاتب: ميلتون كروس

ترجمة: محمد حنانا

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب