التفكير ليس صعباً وليس مملاً. لا تحتاج أن تكون عبقرياً لكي تكون مفكراً جيداً، ولكن الحياة الشخصية تتطلب التفكير الجيد باستمرار وأمام الكثير من المواقف التي تصادف الإنسان، وهي ضرورة للاستمرار والنجاح والمنافسة في الأعمال التجارية والحياة المهنية.

في كتابه "علّم طفلك كيفية التفكير- ساعده على البقاء والنجاح" يعرف الباحث إدوارد دي بونو التفكير بأنه "المهارة التشغيلية التي يتصرف بها الذكاء بناء على الخبرة". ومن المهم الإشارة إلى أن ثمة خلطاً بين الذكاء والتفكير، فليس من الضرورة أن الشخص الذكي قد يكون مفكراً جيداً. كما أن الكثير من المدارس نادراً ما يساعد نمط التعليم فيها على تمكين الشخص من ثيمة التفكير الذي يحتاجه. ولكن في الوقت نفسه لا بد من القول إنه ليس خطأ التعليم أن التفكير النشط ليس بسهولة التعامل مع التفكير التفاعلي، خطأ التعليم الظن أن التفكير التفاعلي شيء كاف".

ثمة إشكالية تتعلق بالبنية الاجتماعية عند الحديث أو المطالبة بالتفكير؛ إذ إن التفكير عند بعض الناس يعني التحدي والاعتراض والمنافسة "لهذا السبب فإن العديد من الحكومات والسلطات التعليمية، وحتى الآباء، هم غالباً ينظرون إلى التفكير على أنه يتسبب في جدل وإزعاج".

وفي بناء عملية التفكير "السليم" يحتل المنطق  موضعاً خاصاً، فهو "آلية معالجة البيانات والإدراك التي نستخدمها". ومن هنا فإن معظم عيوب التفكير هي أخطاء في الإدراك كرؤية حدوده مثلاً، وليست أخطاء في المنطق، ذلك أن الإدراك هو أساس الحكمة.

عموماً، التفكير يجب أن يكون حيوياً، مرحاً وممتعاً، وتقريباً لعبة، كما تظهر تجربة الباحث نفسه "قد أظهرت تجربتي أن الأطفال يستمتعون بالتفكير. يستمتعون باستخدام عقولهم والحصول على فكر، لكن يجب أن يكونوا قادرين على الأداء".

الأمر المهم هنا هو المرحلة العمرية؛ إذ إن الفترة بين التاسعة والحادية عشرة من العمر هي الفترة التي يستمتع فيها الأطفال بالتفكير أكثر من أي شيء آخر، فيما يميل المراهقون إلى أن يكونوا "دفاعيين ومتعجرفين بشأن تفكيرهم بسبب الخوف من أن يكونوا مخطئين. ومن المهم دائماً تجنب أحكام الصواب والخطأ لأن التفكير هو أداء".

ومن أجل انتهاج أسلوب تعليم يؤدي الغرض منه، في هذه المسألة الحساسة، ينصح الباحث بطريقة تعتمد على جعل التعليم بسيطاً، مع تجنب الارتباك. كن واضحاً جداً بشأن ما تفعله في اللحظة، تدرب على الطريقة بأدوات تدريب مختلفة ومتنوعة "يجب عليك كمعلم أن توضح ما تريد وتتأكد من فهمك، واستخدام الكثير من الأمثلة لإظهار ما تبحث عنه". وأي إجراء، مهما كان بسيطاً من التفكير يتكون من ثلاث خطوات "التركيز، استخدام أداة التفكير، النتيجة – المحصلة".

إن مرحلة بناء مهارات التفكير تعتمد على بنود متعددة بنسب محددة "40 بالمئة – المرح، 30 بالمئة – بنود بعيدة، 20 بالمئة – بنود الخلفية، 10 بالمئة – بنود صعبة". أما مرحلة تطبيق المهارات المكتسبة بالفعل فتقوم على " 20 بالمئة – مرح، 30 بالمئة – بنود بعيدة، 30 بالمئة – بنود الخلفية، 20 بالمئة – بنود صعبة"... وهناك ثلاثة مستويات من التفكير العملي: العارض والمناقشة والتطبيق.

ومن هنا نجد أن عمليات التفكير الأساسية تحتل مكانة خاصة، فإنه "كلما استخدمنا التفكير في الحياة فنحن تقريباً نستخدم دائماً الخليط من هذه العمليات الأساسية" وفهم تلك العمليات يساعد في استخدام أدوات التفكير بشكل أكثر فعالية. وللتفكير النقدي علاقة جدلية مع الحقيقة والمنطق، إذ إن "أكثر صعوبة مهمة في التفكير، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بأشخاص آخرين معينين، هي قيمة الحقيقة المزعومة" ذلك أنه هناك دائماً "توازن بين قيمة الحقيقة المزعومة وقيمة الحقيقة الفعلية". وعلى العموم يميل الكثير من الناس، في التفكير والجدال، إلى أن يكونوا "عقائديين" ومتأكدين لتوضيح وجهة نظرهم. كما تنهض الإشارة المهمة إلى أنه في ظروف الحياة الواقعية تكون "البراهين التي تبدو منطقية، أغلب الأحيان، تستند إلى عدم القدرة على رؤية الاحتمالات البديلة. وعلى نحو مماثل فإن القدرة على التفكير في تفسير بديل هو إلى حد بعيد أفضل طريقة لتدمير غطرسة البراهين التي قد تبدو منطقية". والغرض من التفكير النقدي هو الكشف عن الحقيقة من خلال مهاجمة كل ما هو زائف، ولهذا قيمة كبيرة في تثبيط الاستخدام الغامض للغة والمفاهيم والحجج الخاطئة.

إن غنى الكتاب بالأمثلة والتطبيقات القريبة من القارئ، تمكن من بناء طريقة تفكير "سليمة" لدى الأطفال والبالغين، وتقدم للمختصين طيفاً واسعاً من المعرفة بموضوع يأخذ حيزاً واسعاً من الاهتمام الفردي والجمعي، على مستويات متعددة، لأنه يساهم في بناء أكثر صحة للفرد.

----

الكتاب: علم طفلك كيفية التفكير، ساعده على البقاء والنجاح

المؤلف: إدوارد دي بونو

ترجمة: ميساء محمد إبراهيم

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2023