استطاع الباحث والناقد فاروق شوشه أن ينتقي من دوحة الأدب أحلى عشرين قصيدة حب، وهي من عيون الشعر العربي، إذ أكد المؤلف أنه كثيراً ما بحث في كنوز لغتنا الجميلة أمام نص شعري فاتن، لشاعر عربي عاشق، ينطق بصدق العاطفة والشعور، وجمال التعبير والتصوير والأداء.

إن شعرنا العربي على امتداد قرون متطاولة حافل بالكنوز الثمينة، والدرر الكامنة، تنتظر دائماً من يجلوها ويعرضها، مشرقة ومضيئة، نابضة بالحس الحضاري والوجدان الإنساني اللذين اتسمت بهما خلال هذه المسيرة الطويلة. وفي الوقت نفسه، مـا أندر المجموعات والمختارات الشعرية التي صدرت عن مكتبتنا العربية، قديمها وحديثها، لتضع بين يدي القارئ العربي، والقارئ الأجنبي، تصوراً عاماً لروح الشعر العربي، وإطاراً عاماً لأبرز شخصياته وأعلامه، وأكثر ملامحه صدقاً وأصالة، اللهم إلا بضعة دواوين شعرية قليلة كالمفضليات للضبي والأصمعيات لأبي سعيد الأصمعي وجمهرة أشعار العرب لأبي زيـد القرشي ومختارات شعراء العرب لابن الشجري.

ثم هناك لون آخر في تبويب هذه المختارات وتصنيفها بدأ مع أبي تمام بديوان الحماسة وتابعه البحتري، والخالديان، وابن الشجري في حماساتهم، ثم أبو هلال العسكري في ديوان المعاني، وأخيراً كان ديوان الشعر العربي الذي اختاره وصنفه وقــدم له الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس).

وظلت مكتبة الشعر العربي تعاني الفراغ الكبير، ونحن نترك الآن عصور الموسوعات والكتب الأمهات ونتجه مع إيقاع العصر وازدحام متطلبات الحياة الى المختصرات والمختارات: المبوبة، الموضوعية الاختيـار، المعتمدة في تصنيفها على ذوق عصري، وفكر جديد، يكشفان في الأثر الأدبي والشعري أبعاداً جديدة ويسلطان عليه رؤية جديدة كاشفة. وبهذا يصبح تحاورنا مع التراث تحـاوراً خصبا بناء، لا يكتفي بمجرد التكرار أو إعادة الحفظ والاستظهار، وإنمـا يتجاوز ذلك إلى إعادة عرضه وتنسيقه وتنظيم جداوله وروافده، وإعادة اكتشافه والوعي بـه من خلال حساسيتنا الجديدة ورؤيتنا العصرية المتفتحة، بهذا وحده نعطي للتراث فرصة أن يحيا فينا وأن نحيا فيه، وأن يصبح له حق الامتداد الفعال والصحيح في حياتنا الجديدة.

لقد آثر الكاتب أن تكون البداية قصائد الحب في شعرنا العربي، وما أكثرها، وما أحفلها بالقيم الإنسانية والفنية والحضارية، وقد وضع سؤالاً لنفسه وكان عنوان منجزه ماذا لو اختار من بينها أجمل عشرين قصيدة؟ ولماذا هذا الرقم بالذات عشرون؟ ولماذا لم تكن هـذه القصائد ثلاثين أو خمسين أو خمساً وعشرين أو أكثر أو أقل؟

لعل الكاتب أرادها أن تكون رحلة مع عشرين قصيدة حب، تبدأ من تخوم العصر الجاهلي، فنتخير لهذا العصر شاعراً يمثل حسيته ونهمه وإقباله على منع الحياة وتوزعه بين فروسيته، وکرمه ولهوه ومؤانسته، وفي حبه ونظرته الى المرأة كما نجدهـا لدى المنخل اليشكري.

ويتابع الكاتب فاروق شوشة المسيرة وقوفاً مـع صفحات أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي مع الشعر الأموي والعباسي، بحيث يطالعنا وجـه عمر بن أبي ربيعة فتى قريش اللاهي الماجن المولع بتعقب الحسان والتشبيب بهن، ووجوه الصفوة الممتازة من الشعراء العذريين ومنهم مجنون ليلى وجميل بثينة وقيس لبنى وكثير عزة، وعلى مقربة من هؤلاء العباس بن الأحنف، وبين الطائفتين ينفرد يزيد بن معاوية، ثم ابن الرومي وأبي فراس الحمداني والشريف الرضي ودوقلة المنبجي وابن زريق البغدادي ثم صفي الدين الحلي، وكلهـا وجوه تضيف إلى تجربة الحب في الشعر العربي ألواناً وتنويعات ومذاقات مختلفة، تثريها وتعمقها، وتكشف عن جوهر الإنسان العربي والشاعر العربي في نظرته الى الحياة والوجوه من خلال المرأة.

ويقف المؤلف شوشة على مسافة من هؤلاء ليلتقي بوجهين آخرين يمثلان شعر الأندلس والمغرب العربي هما ابن زيدون، والحصري القيرواني، ثم يرسي مركبه بالعصر الحديث ليختار الشابي وعلي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل.

إن كل قصيدة من هذه القصائد العشرين امرأة جميلة، امرأة معشوقة، أفتن في تصويرها وتجسيد مفاتنها والهيام بها شاعر عربي ملهم، أضفى عليهـا من إبداع ريشته وحرارة عاطفته مـا جعلها لوحـة مكتملة الأبعاد والسمات غنية بالفن الجميل، والشعور الصادق معاً.

لعل أجمل القصائد وأروعهـا وأكثرها تمثيلاً لحقيقة شعر الحب في ديوان الشعر العربي الكبير وافرة، ولكن ما انجذب وفق الذائقة الإبداعية والشعرية لدى المؤلف فاروق شوشة قصائد مختارة عاش معها طويلاً، وتأملها كثيراً لوضعها داخل هذا الإطار، إذ من المؤكد أن في شعرنا العربي عشرات بل مئات من قصائد الحب الجميلة، التي لم تزل قابعة في مكانها بين الصفحات المطوية، التي تراكم عليها الإهمال والنسيان، عسى أن يأتي أحد ينفض عنها غبار الزمن ويعيدها الى مكانهـا من دائرة اهتمامنا وتذوقنا.

----

الكتاب: أحلى عشرين قصيدة حب

الكاتب: فاروق شوشة

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب