في كتابه "شفاء السائل وتهذيب المسائل"، يطبق ابن خلدون قدراته التحليلية على الصوفية وفق دراسة موضوعية متأنية تناولت على نحو شامل تاريخ التصوف ونشأته ومناهجه.

"شفاء السائل وتهذيب المسائل" للمؤرخ ابن خلدون كان جواباً على المناظرة الصوفية التي كتبها الشيخ أبو إسحاق الشاطبي، حيث كان الجواب عنها والفصل فيها هو نهج ابن خلدون الذي كعادته اتبع المنهج العلمي المعتمد على العرض والتحليل والاستنتاج والمناقشة، مورداً لكل مسألة دليلها ولكل رأي حجة، لينتهي بعد ذلك إلى النتائج التي ساق إليها البحث الجاد المؤدي إلى القناعة العلمية والغاية الصحيحة، وبذلك يعتبر الكتاب مرجعاً مهماً في علم التصوف.

يضمّ الكتاب حكمةَ ثلاثةٍ من أعظم الأصوات الصوفيّة، إلى جانب رؤى ابن خلدون الخاصة التي اكتسبها من مواجهاته الفكرية مع المتصوّفة ومن خبراته الشرعية الواسعة، فيجمع ذلك كله في مناظرةٍ تتناول ممارسات الصوفيّة ضمن كتابٍ مميز تأليفاً وتحليلاً.

كما يطبق ابن خلدون قدراته التحليلية على الصوفيّة، والتي يعدها أنموذجاً حقيقياً من نماذج التقوى الإسلاميّة، ويكتب ابن خلدون في كتابه بمنظور قاص إسلامي وعالمٍ بالفقه، ويعرف الصوفية والمقامات في طريق التصوّف، ويطرح مسألة الحاجة إلى دليل مرشد على طول ذلك الطريق. وقد اعتمد في كتابه على أعمال بعض علماء التصوّف البارزين، منهم القشيري والغزالي وابن الخطيب، ورغم تحذيره من التطرف الذي ذهب إليه بعض المتصوّفة – بما في ذلك ممارسة السحر – فإن كتاب ابن خلدون يعد رأياً فقهياً ضرورياً، وهو فتوى تؤكد على صحة أصالة الطريقة الصوفية.

ناقش ابن خلدون في هذا الكتاب تعريف التصوف والصوفية، وقدم أربع مقدمات لأجل توضيح المعنى المقصود من التصوف، وهذه المقدمات الأربع هي:

مقدمة في معنى الروح والنفس والعقل والقلب.

مقدمة في معنى السعادة وتفاوتها.

مقدمة في كيفية اكتساب الروح للمعارف والعلوم.

مقدمة في بيان لذة المعرفة في الدنيا.

ثم استعرض بعدها اهتمام الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – بأعمال الباطن كما يهتمون بأعمال الظاهر ليرسخ معنى التصوف المطلوب وليبعد ما يراد من المغالاة، ثم انتقل إلى تعريف فقه الظاهر وهو المراد به فقه الأعمال الظاهرة التي تصدر عن الناس ويراها الناس، وفقه الباطن والمراد بالباطن الأعمال الباطنة التي لا يطلع عليها سوى الله – سبحانه وتعالى، ثم بعدها بدأ ابن خلدون في وضع بعض الشروط التي يرى لزوم وجودها في الشيخ حتى يصلح للاقتداء به من مريديه مثل: مجاهدة النفس وقسمها إلى مجاهدة الكشف ومجاهدة التقوى، والاستقامة وغيرها.

يعد الكتاب مرجعاً، أراد الكاتب فيه أن يطرح موضوع التصوف للبحث والنقاش ولعرض النتائج، ليخرج لنا دراسة موضوعية وأصيلة قل أن تجد لها نظيراً في بابها.

----

الكتاب: شفاء السائل وتهذيب المسائل

الكاتب: عبد الرحمن بن خلدون

الناشر: دار الفكر المعاصر، 1997