لا يتوقف العلماء عن إدهاشنا بنظرياتهم الجديدة حول الدماغ، إذ إن جيف هوكنز يقترح أفكاراً جديدة، ويرى وجود نماذج متعددة عن العالم، وعوالم مصغرة مرسومة، يشكلها وابل من السيالات العصبية التي تتدفق من الحواس.

ينتصر ريتشارد داوكينز، العالم التطوري والمؤيد الشديد للداروينية، لأفكار جيف هوكنز، ويقول: "لا يقلل هوكنز من شأن قوة الذكاء الاصطناعي والرجال الآليين المستقبليين، بل على النقيض من ذلك. ولكنه يعتقد أن معظم الأبحاث الحالية تسير في الطريق الخاطئ، فهو يرى الصواب في كيفية عمل الدماغ وتقليد أساليبه مع تسريعها بشكل كبير".

في فصل "الجينات مقابل المعرفة"، يؤيد هوكنز فكرة وجود تفاوت ما بين أهداف الدماغ القديم؛ أي خدمة جينات الأنانية، وبين أهداف الدماغ الحديث؛ أي المعرفة. تتميز القشرة المخية بقدرتها على تحدي أوامر الجينات الأنانية، التي ترى في أمور من مثل التفلسف والرياضيات والشعر والفيزياء والموسيقا هدراً للوقت. فهل ستقودنا الجينات الأنانية، أم الذكاء ورغبته في فهم العالم؟

يؤكد هوكنز في فصل "فهم جديد للدماغ" على أن الكيفية التي يبتكر بها الدماغ الذكاء من خلايا بسيطة، هو لغز. في كل عام يتم الإعلان عن اكتشافات جديدة متعلقة بالدماغ، ويزعم الباحثون في المجالات ذات الصلة مثل الذكاء الاصطناعي أن إبداعاتهم تقترب من ذكاء فأر أو قطة على سبيل المثال. لقد تعلمنا قدراً هائلاً من المعلومات والحقائق بشأن الدماغ، لكن لدينا القليل من الفهم لكيفية عمل كل شيء.

يخلص العالم فرانسيس كريك إلى أنه "على الرغم من التراكم المستمر للمعرفة التفصيلية، فإن كيفية عمل الدماغ البشري لا تزال غامضة". كان الدماغ عبارة عن أحجية الصور المؤلفة من آلاف القطع، كانت قطع الألغاز أمامنا، لكننا لم نستطع فهمها. الدماغ لغز، لأننا لم نعرف كيفية ترتيب القطع التي لدينا بالفعل. إن كيفية نشوء الذكاء من الخلايا لا يزال لغزاً عميقاً".

تستند نظرية "الألف دماغ" في جزء منها إلى الاستنتاج المنطقي، وهو ما يدرسه هوكنز في القسم الأول من كتابه. أما القسم الثاني فيدرس الذكاء الاصطناعي، حيث يرى أن الآلات الذكية ستغير القرن الحادي والعشرين بالطريقة نفسها التي غيرت فيها الحواسيب القرن العشرين. ولا يرى هوكنز أنه من الضروري القلق من أن الآلات الذكية تشكل خطراً على وجودنا، وأننا على وشك إنشاء تقنية ستدمر البشرية؛ إذ إن الخطر ليس في الذكاء الاصطناعي، وإنما في الطرق التي قد يستخدمها البشر بها.

في فصل "الدماغ القديم- الدماغ الحديث" يقول هوكنز إن أحدث جزء من دماغنا هو القشرة المخية الحديثة والتي تعني "طبقة خارجية جديدة"، وهي تشغل حوالي 70 بالمائة من حجم دماغنا. القشرة المخية الحديثة هي جهاز الذكاء. لا يحتاج الحيوان إلى القشرة المخية الحديثة ليعيش حياة معقدة. يكافئ دماغ التمساح دماغنا تقريباً، ولكن من دون القشرة المخية الحديثة.

لا يمكن للقشرة المخية الحديثة أن تقوم بأي سلوك بشكل مباشر، إذ لا تتصل أي خلية في القشرة المخية الحديثة بالعضلات مباشرة، لذلك لا يمكنها بمفردها تحريك أي عضلات. وعندما تريد القشرة المخية الحديثة أن تفعل شيئاً ما، فإنها ترسل إشارة إلى القدماغ القدين، بمعنى أنها تطلب من الدماغ القديم أن يفعل ما تريده.

----

الكتاب: الألف دماغ

الكاتب: جيف هوكنز

ترجمة: ماجد حامد

الناشر: الدار العربية للعلوم، ناشرون