لم يتوقف الجدل، بين تيارات مختلفة، حول دور المسرح وأهميته منذ بدأ أبو خليل القباني، رائد المسرح السوري، تجربته التي شكلت صدمة قوية لبعض التيارات داخل المجتمع آنذاك. والمهتمون يعرفون كيف خرج القباني من دمشق بعد إحراق مسرحه، ذلك أنه خرج على الثوابت الراكدة في عصره باجتراحه لهذا الفن، الذي جمع بين الأداء والموسيقا والغناء والرقص، في ظل إدراكه لأهمية المسرح عبر المضمون الذي ينبغي أن يحمله للقيام بدور طليعي، وإن لم تكن زاهية بعض المراحل التي مر فيها المسرح السوري والعربي.

يشير الكاتب والناقد المسرحي جوان جان في كتابه الجديد "الفصل الرابع – رؤى مسرحية" إلى أن التجربة العربية في تكريس المسرح كصناعة ثقافية "خجولة بالمقارنة مع التجارب العالمية المتقدمة فنياً ومسرحياً، إذ إن المسرح في معظم الدول العربية لا يعدو أن يكون شكلاً من أشكال الترفيه، يأتي في المرتبة الثانية في أفضل الحالات على صعيد استقطاب الجمهور، ولا سيما في ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة ودخول العالم العربي عصر الحداثة من أوسع أبوابه، وهي حداثة لم تأخذ بعين الاعتبار تطوير الجوانب الثقافية والفنية والأدبية، بل اعتبرتها عناصر تابعة ومتممة للحالة التي سيطر عليها الطابع الاقتصادي بالدرجة الأولى".

في سورية يقسم الكاتب الحركة المسرحية إلى مرحلتين: الأولى بدأت في سبعينيات القرن التاسع عشر مع ولادة مسرح القباني وما رافقه من ظروف أدت لوأد هذه التجربة وإن امتدت عبر مسارح ونواد وفرق خاصة ظهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي. فيما بدأت المرحلة الثانية، وفق الكاتب، مع تأسيس المسرح القومي عام  1960 ، أي عام دخول الدولة على خط الإنتاج المسرحي، وما زالت مستمرة. ويلفت إلى أن أهم ما يميزها "استقرار عملية الإنتاج المسرحي وتوجيهها باتجاهات ذات طابع ثقافي تنويري بعد أن كانت جل توجهاتها، في المرحلة الأولى، تتمحور حول القدرة على كسب أكبر عدد من الجمهور وبالتالي زيادة الغلة الاقتصادية للفرق المسرحية".

يتناول الكاتب جوان جان العديد من القضايا الفنية والتقنية في العرض المسرحي في الفصل الأول من كتابه، حيث يشير إلى طبيعة العلاقة حالياً بين رؤية الكاتب والمخرج وعملية الإبداع على الخشبة التي تحتاج إلى نوع من التكامل للوصول بالعمل المسرحي إلى شكل فني راق.

وفي حديثه عن عنصر الإيقاع في العرض المسرحي يرى أنه "واحد من أبرز عناصره بما له من دور كبير في تحديد طبيعة تلقي الجمهور لهذا العرض ومدى انسجامه مع أحداثه وتفاعله مع شخصياته، وبذلك يشكل الإيقاع أحد العوامل الحاسمة في نجاح عرض مسرحي أو فشله". ويحدد طبيعة إيقاع العرض المسرحي عنصران أساسيان هما الحوار والحدث "فالحوار المعتمد على العبارات القصيرة والمكثفة، وعلى ما يمكن أن يسمى بالحدث الصاعق الذي لا يترك مجالاً لمتابعه لالتقاط الأنفاس يبدو من أهم الأمور المطلوبة جماهيرياً لنجاح العرض المسرحي، على ألا تكون هذه العناصر مجرد شكليات تحاول أن تخفي ضحالة الطرح الموجود في النص المسرحي".

ومن الطبيعي أن يطرح السؤال نفسه حول ابتعاد الجمهور عن عروض المسرح، حيث يرى الكاتب أن المسرحيين يتحملون جزءاً من المسؤولية بسبب اختياراتهم المحددة بنصوص لا تعني شيئاً للمشاهد لا من حيث الطرح ولا من حيث الشكل، ومع ذلك لا بد من التساؤل: لماذا تتمكن بعض العروض من أن تشكل استثناء للقاعدة وكسراً لحالات أضحت من بديهيات العمل المسرحي؟ ليكون الجواب على ذلك أن بعض العروض تلقى إقبالاً جماهيرياً لأسباب "تأتي في مقدمتها ثقة الجمهور بأسرة العمل المتولدة من تجارب سابقة. يلعب مكان العمل دوراً في هذا الإطار حيث الإقبال يكون كثيفاً على الصالات المتوضعة في قلب المدينة. وكذلك الأعمال التي يقوم بإخراجها نجوم تلفزيونيون، وهو أمر لا علاقة له بمستوى العروض المسرحية بقدر ما له علاقة برصيد النجم التلفزيوني عند الجمهور".

ومن نافل القول الحديث عن أهمية النص المسرحي، لكن كيف يبدو اليوم في ظل ظروف مشاغل لها خصوصيتها؟ يقول الناقد المسرحي جوان جان: "لا يبدو النص المسرحي اليوم معزولاً عن المشاغل العامة للناس وهواجسهم، وهو وإن حاول الابتعاد عن هذه الهواجس والمشاغل باتجاه قضايا إنسانية أكثر شمولاً وأوسع أفقاً، إلا أنه سرعان ما يعود إلى واقع الإنسان السوري ليرصد مآلاته وتفاصيل أيامه"، مشيراً إلى أن المسرح السوري يجدد نفسه اليوم من خلال مجموعة من الأقلام الشابة.

كما يتضمن الكتاب مقاربات نقدية لعدد من العروض المسرحية، وعناوين مهمة عن النقد المسرحي، ورصد للمهرجانات المسرحية، وإلقاء الضوء على بعض الشخصيات التي كانت لها بصمتها في العمل المسرحي، وإطلالة على المسرح العربي من خلال نوافذ عدة، بقلم ورؤية كاتب وناقد متابع يمتلك رصيده الخاص من نصوص مسرحية، وكتابات نقدية مواكبة للنشاط المسرحي لسنوات طويلة مضت.

----

الكتاب: الفصل الرابع - رؤى مسرحية

الكاتب: جوان جان

الناشر: وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2023