أرنست كاسيرر فيلسوف ينتمي إلى الفلسفة الكانطية الجديدة، واشتهر كأكبر شارح للفلسفة النقدية الكانطية في القرن العشرين. ولد عام 1874 في ألمانيا، وتوفي عام 1945 في الولايات المتحدة الأمريكية.

ذاع صيته كفيلسوف كبير مع نشره لعمله ذي الأجزاء الأربعة والمعنون "مشكلة المعرفة" في عامي 1906 و1907. ثم تتالت أعماله الفلسفية مثل "الحرية والشكل" 1916، و"فلسفة الأشكال الرمزية" 1923- 1929 في ثلاثة أجزاء، و"فلسفة التنوير" 1932، و"النهضة الأفلاطونية في إنكلترا" 1932، والجزء الرابع من مشكلة المعرفة 1940، و"منطق الإنسانيات" 1942، و"الأسطورة والدولة" 1942، و"مقال حول الإنسان" 1944،

أما هذا الكتاب "الأسطورة واللغة" فقد صدر في عام 1925. وقد قدمت الفيلسوفة سوزان لانغر ترجمتها لهذا الكتاب إلى الإنكليزية قائلة: "إن الموجه المعرفي الذي قاد خطى كاسيرر هو إدراكه أن اللغة، التي هي أداة الإنسان الأولى للعقل، تعكس الميل إلى صنع الأسطورة أكثر منه إلى العقلنة والتفكير العقلي. فاللغة التي هي ترميز للفكر، تعرض نمطين مختلفين تماماً من الفكر، الذي هو في كلتا الحالتين فكر قوي وإبداعي".

أدرك كاسير، من خلال بحثه الطويل والعميق في اللغة، أن اللغة هي الأداة الأولى ليس لصنع الأساطير والأخيلة الشعرية فحسب، بل هي الأداة الأولى للتفكير المنطقي نفسه أيضاً. وبالتالي فإن أي نظرية معرفية لا بد من أن تولي ال خيال المكون للأساطير من العناية بقدر ما تولي المنطق والمفاهيم المعرفية النسقية.

يقول كاسيرر: "إن جميع النظريات التي تقترح العثور على جذور الأسطورة من طريق استكشاف عالم التجربة، والموضوعات التي يفترض أنها تسببت بوجودها، ثم يُزعم أنها تنمو منها وتنتشر، يجب أن تبقى دائماً نظريات أحادية الجانب وقاصرة".

ويرى كاسيرر أن وظيفة التخيل لا يمكن استمدادها واقعياً من الأشياء نفسها أو فهمها من خلال طبيعة محتوياتها الموضوعية، لأن القضية تتعلق لا تتعلق بما نراه من خلال منظور معين، بل بالمنظور نفسه.

لقد أكد باحثو علم اللغة على حقيقة أن الكلام لا يجد جذوره في الجانب النثري من الحياة، بل في الجانب الشعري منها، ولذلك لا ينبغي البحث عن أساسه النهائي من خلال الاستغراق في النظرة الموضوعية للأشياء وتصنيفها وفق صفات معينة، بل في القوة البدائية للشعور الذاتي.

في فصل "سحر الكلمة"، يتتبع كاسيرر المسار الذي قطعته الكلمة إلى أن أصبحت مقدسة، وهذا المسار يعبر عن قوة نفسية سحرية تتشكل في الكلمة وقوتها الروحية. فالكلمة أو اللغة هي التي تخلق للإنسان ذلك العالم الأقرب إلأيه من أي عالم موضوعات طبيعية، وتلامس رخاءه وكربه على نحو مباشر أكثر من الطبيعة المادية، لأن اللغة هي التي تجعل وجوده في جماعة ما ممكناً؛ وفي المجتمع وحده، في علاقة له بـ "أنت، تؤكد ذاتيته نفسها كـ "أنا".

تمتلك اللغة طاقة روحية كامنة، إنها قوة جوهرية قبل أن تمكن الإحاطة بها كأداة مثالية، وكآلة للذهن، وكوظيفة أساسية في بناء الواقع الروحي وتطويره.

----

الكتاب: اللغة والأسطورة

الكاتب: أرنست كاسيرر

ترجمة: سعيد الغانمي

الناشر: هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، المجمع الثقافي، 2009