مدينة قارة هي إحدى مدن منطقة القلمون التابعة لمحافظة ريف دمشق، وهي ثالث مدن منطقة النبك سكاناً وعمراناً، وتقع في منتصف الطريق العام الواصل بين دمشق وحمص.

قارة في السريانية هي "كركينا" وتعني البرد الشديد، أما في العربية فتعني التلة الكبيرة، ومن المرجح أن العرب حوّروا الكلمة الرومانية "كوارى" أو "كارّه" إلى قارة.

ولقد كانت قارة معسكراً رومانياً على الجادة الإمبراطورية وعلى طريق الحجاج القادمين من الشمال إلى الأراضي المقدسة جنوباً، وشكلت مركز استراحة للقوافل القادمة من الجنوب إلى الشمال وبالعكس. ولقد تكلّم سكانها الآرامية والسريانية في المجتمع وطقوس العبادة قديماً، وتسربت إليها اللغة العربية بعد الفتح الإسلامي إلى أن أصبحت اليوم اللغة الشعبية والرسمية.

وقارة بلدة قديمة جداً، سكنها الإنسان منذ العصر الحجري، كما سكنها الآراميون في القرن الثالث ق.م، وسكنها الأموريون في القرن الثاني ق.م، ودخلت المسيحية إليها منذ مطلع العهد المسيحي، وشُيدت فيها أديرة وكنائس، حتى أصبحت مركزاً تبشيرياً وكرسياً أسقفياً، وظلت المسيحية سائدة فيها حتى العام 1226م، وبمرور الملك الظاهر بيبرس في طريقه من دمشق إلى حمص دخلها الإسلام سنة 1266 م/ 664 هجرية، وسكنتها عائلات مسلمة.

وفي العصور الغابرة كانت قارة أكثر عمراناً وأجل شأناً من القرى والبلدان المجاورة لها، وكل كتب التاريخ والرحلات التي تصف طريق دمشق حمص تذكر قارة قبل النبك أو لا تذكر سوى قارة، وتقول إنها محطة القوافل والجيوش، وأحد مراكز البريد والحمام الزاجل العاملة بين بلاد الشام ومصر.

الحياة في قارة

في كتابه "من مدينة قارة تراث وأصالة" يقول عبد الرحمن محمود حيدر إنه عايش حياة مربي الماشية في صغره، وتعرف على كل تفاصيلها، فكان رعاة الماشية ينتقلون بمواشيهم من مكان إلى مكان طلباً للكلأ، وكانت الفئة التي تهتم بتربية الماشية تدعى "المعازة" نسبة إلى الماعز، فكانوا يرتحلون شتاءً إلى البادية "مشرّق"، ويقضون الشتاء والربيع، وفي أوائل الصيف ينتقلون بمواشيهم إلى جبل قارة الغربي وسهولها حيث الجو المعتدل والكلأ الوافر، وكان هؤلاء يسكنون في خيام مصنوعة من شعر الماعز يسمونها "بيت الشعر".

وفي النصف الأول من القرن العشرين كانت جميع الأسر في قارة يمتلكون في منازلهم زريبة صغيرة يربون فيها عدداً من الشياه أو الماعز، ومنها يحصلون على الحليب ومؤونتهم من الجبن والسمن وسواه دون الحاجة إلى شراء ذلك، وهكذا تكفي الأسرة نفسها بنفسها زراعياً وحيوانياً.

والزراعة في قارة مروية، حيث كانت تتوزع عند عيون البلدة التي تكثر في أطرافها، وكان مُلاك الأراضي المسقية يُعتبرون من الطبقات الغنية، وكانت الأراضي المروية أيضاً تُسقى من قناة البلدة الرئيسية موزعة بين سكان البلدة كل حسب ملكيته بما يسمى "القلبة"، وهي تعادل نصف ساعة، فهذا له قلبة والآخر أربع قلبات وهكذا. كما استخدم المزارعون أدوات زراعية منها المر والمجرفة والقزمة والرفش والمسحاة والمنجل والشوكة. أما الزراعات البعلية في قارة فكانت تتركز في السهول والجبال، حيث يُزرع فيها القمح والشعير، ويجنيها الناس في مواسم وفيرة.

التعليم والطبابة قديماً

في النصف الأول من القرن العشرين كان التعليم يعتمد اعتماداً كلياً على ما يسمى الكتّاب أو الشيخ. وبقي هذا النوع من التعليم موازياً للتعليم الرسمي حتى العام 1955، حيث توسع التعليم الرسمي وافتتحت المدارس.

ولقد كان الطفل يتخرج من الكتّاب وهو يتقن القراءة والكتابة بشكل جيد، ويتفوق على أقرانه حينما ينتقل إلى المدرسة، حيث كان للكتاتيب دور مهم جداً في نشر القراءة والكتابة حين لم يكن سواها من مراكز تعليمية وقد أشرف عليها أئمة المساجد وعلماء الدين.

وعلى الرغم من بدائية هذه المراكز التعليمية، إلا أنها أدت دوراً كبيراً وهاماً في حياة الناس في تلك الفترة القاسية والصعبة بظروفها المعيشية والاجتماعية. ومن أدوات التعليم المستعملة في هذه المرحلة الدفة واللوح الأسود والدفتر وأجزاء من القرآن الكريم.

وقديماً لم يكن الناس في قارة معتادون على وجود أطباء تعلموا في الجامعات، فكان الطب بالنسبة إليهم عبارة عن خبرة شعبية اكتسبها البعض من آبائهم، ومن أشهر طرق العلاج القديم الكي والفصد (كاسات الهوا) والعلاج بالأعشاب الطبيعية، وتطميس القدمين وكحل العين وغيرها.

لباس أهل القلمون

كان لرجال القلمون وقارة لباس يميزهم عن لباس المحافظات الأخرى، فلباس الرأس يتألف من العمامة والعقال والقضاضة أو (الحطاطة)، وهناك أيضاً السُلُك والطربوش والطاقية واللتمة. أما لباس الجسم فمنه الجلابية والقمباز والعباءة الزنارية والكنزة والبوظية والدراعة والساكو والفروة، ويتكون اللباس الداخلي من القميص المصنوع من كتان أبيض أو خام مزركش، واللباسة ذات اللون الأبيض.

ويتألف لباس الطفل من القمباز أو السركس، أما لباس المرأة فيقسم إلى: لباس الرأس وهو عبارة عن منديل أبيض ومنديل ملون بني في الغالب، والأزّيّة وهي كالمنديل في حجمها إلا أنها تكون من قماش أسود رقيق، وهناك أيضاً القمطة والشملة أو العصبة. أما لباس الجسم الخارجي فهو الملاية والتنورة والخراطة والشالة، في حين يتألف اللباس الداخلي من الشلحة واللباسة. ومن زينة وحلي نساء قارة الحلق أو القرط الذهبي والحجب الفضية والذهبية والخلخال.

----

الكتاب: من مدينة، قارة تراث وأصالة

الكاتب: عبد الرحمن محمود حيدر

الناشر: إصدار خاص، 2011