يهدف كتاب "التغطية الإعتلامية للنزاعات" إلى تسليط الضوء على ممارسات صحفية وصفها المؤلفان "يوهان غالتونغ" و"جاك لينش" بـ "إعلام العنف" أو "إعلام الحرب" وتقديم بدائل للتغطية الصحفية وفق المعايير التي تحدد بما يسمى "إعلام السلام".

تكمن أهمية الكتاب في كونه يقدم رؤى ونماذج نظرية متينة مدعومة بأمثلة كثيرة تتعلق بالنزاعات والحروب التي عرفتها البشرية في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، والتي نشبت في منطقة الخليج وكوبا والبلقان ومنها ما يزال قائماً حتى يومنا مثل الحرب على الإرهاب.

جهود مثمرة

يعتبر الكتاب حصيلة تعاون بين متخصص في علم الاجتماع، وصحفي متمرس يتمتع كل منهما بقدر من الخبرة في مجال عمل الطرف الآخر، وهما الصحفي يوهان غالتونغ كاتب الفصول الخمس الأولى، وجاك لينش مدير منصب مركز دراسات السلام والنزاع وهو كاتب الفصول من 6 إلى 8 في الكتاب.

يتألف الكتاب من ثمانية فصول، يتضمن الفصل الأول الحديث عن التغطية الإعلامية للنزاعات (الطريق العلوي والطريق السفلي) ويقارن بينهما؛ فالطريق العلوي أي إعلام السلام يبرز فيه السياق ثري ويسعى إلى جعل النزاعات شفافة وإسماع أصوات جميع الأطراف مع التحلي بالتعاطف والتفهم. بينما الطريق السفلي أي إعلام العنف يركز على مسرح النزاع ويكون فيه السياق شبه غائب والتركيز فقط على الأثر المرئي من قتلى وجرحى وأضرار مادية.

إعلام السلام

يلخص الكتاب دليل إعلام السلام في عشر نقاط وخمس مقاربات هي توسيع نطاق خطاب النزاع ليشمل النتائج والعمليات السلمية من خلال اعتماد موقف نقدي وأخذ الحذر من أفخاخ الثنائية والتصرف بحذر عند استخدام المفردات اللغوية والاحتراس عند استخدام عبارة "السلام" و"إرهابي". أما النقاط الخمس أو "زوايا السلم" تقوم على النظر إلى السلام بصفة عامة، وكذلك في غمرة العنف، والنظر إلى الوراء مع التطلع إلى المستقبل ثم النظر جانباً أي إلى السلام في أماكن أخرى.

معايير التغطية الجيدة

يشرح الفصل الثاني مسائل الخلاف، الموضوعية، التوازن، الحقيقة والأخلاقيات؛ حيث يشكل إعلام الحرب وإعلام السلام نهجين مختلفين لتغطية نفس المجموعة من الأحداث وأي انتقائية مسبقة لا تعتمد على الوقائع تنبعث منها رائحة الانحياز، وبالتالي تكون التغطية المتوازنة واجبة من خلال الاهتمام بجميع الأهداف وجميع الأطراف إلى جانب الاهتمام بعامة الناس وجميع مراحل النزاع مع الاهتمام بالتغطية الإعلامية الاستقصائية والأخلاقية الجيدة من خلال معيارين هما "التقصي" و"معرفة السياق".

وفي الفصل الثالث نجد التغطية الإعلامية للنزاع حول العالم، ويقدم لنا مثالاً عن التغطية الإعلامية لموضوع "كوبا" وقضية "يوغوسلافيا"، حرب الخليج، ويذكر ضرورة نقل القصة من وجهة نظر جميع الأطراف مع الحصول على وقائع الأحداث والوصول إلى مكان تواجد الناس وقضاياهم، وعدم الإفراط في اتخاذ النخب كمصادر أخبار، والحصول على القصص التي تظهر أعمال العنف والصراعات والتي تتكلم عن الناس العاديين وعرض المعلومات الأساسية التي تشكل خلفيات القصص، مع الحذر من تلاعب صانعي الأخبار إلى جانب ضرورة البحث عن مبادرات السلام وتغطيتها إعلامياً. ويضيف في الفصل الرابع رؤيته لتغطية هجمات 11 أيلول عام 2001 حيث يرى أن هناك ثلاثة خطابات هي تشخيص ظاهرة الإرهاب، واستشراف حول مآله والتركيز على عملية التحليل واستشارة الخبراء، مع الإشارة إلى كيفية تعامل الرأي العام العالمي والرأي العام في "أميركا" مع الموضوع.

توسع الفصل السادس في الحديث عن حرب العراق وتغطية وسائل الإعلام البريطانية لها، ذاكراً المبادئ التوجيهية المعتمدة لدى "بي بي سي". وفي الفصل السابع نجد التركيز على تحويل الممارسة إلى نظرية انطلاقاً من مجال الاتصال والإنتاج والاستقبال في أي مناقشة تدور حول إعلام السلام مع وضع الإطار باختيار بعض الجوانب من واقع ملموس وجعلها أكثر بروزاً داخل نص تواصلي بالاستناد إلى دراسات السلام والنزاع. أما في الفصل الثامن فنجد المشهد الإعلامي ما بعد عهد الانحياز.

وينتهي الكتاب بمقولة: "لا ينبغي أن ننسى جانب السلام عند إعداد التقارير عن النزاع"، فالوقوف ضد التيار المهيمن يعدّ وظيفة تقوم على معاكسة التيار، وهي بحق وظيفة ذات دلالة واضحة إلى أبعد الحدود.

----

الكتاب: التغطية الإعلامية للنزاعات، التوجهات الجديدة لإعلام السلام

الكاتب: يوهان غالتونغ، جاك لينش

ترجمة: رشيد زياني شريف

الناشر: مؤسسة قرطبة وشبكة ترانساند