هناك تساؤلات مطروحة اليوم بقوة حول كيفية التعامل مع ضغوطات الحياة وكيفية التخلص من الأفكار السلبية التي تلاحق الأشخاص عقب ظروف صعبة، وكيفية التعامل مع عدم الثقة بالنفس أو التخلص من الاضطرابات النفسية البسيطة وحماية النفس من الاكتئاب والقلق.

كلها أمور أخذها الطب النفسي الحديث بالاستناد إلى كيف يفكر الشخص وكيف يشعر وكيف يتصرف. وهو ما أطلق عليه العلماء والأطباء النفسيين (العلاج السلوكي المعرفي) الذي يعتبر شكلاً قصير المدى في العلاج النفسي، موجه نحو قضايا الساعة الحالية ويهتم بالتركيز على العلاج السلوكي في حل المشاكل التي يواجهها الفرد من خلال تغيير أنماط التفكير لديه حيث يمكن تطبيق نهج هذا العلاج على مجموعة واسعة من مشاكل الصحة العقلية والظروف النفسية.

تبين الدكتورة راما اللحام أخصائية في الطب النفسي أن العلاج المعرفي السلوكي من أشهر العلاجات الحديثة وهو حل مثالي لاختصار مراجعة الطبيب النفسي باعتماده على تمارين تخلص المريض من السلوكيات السلبية المؤثرة على صحته النفسية، ضمن مراحل وخطوات تبدأ من مرحلة التعارف بين الأخصائي النفسي والمسترشد أو العميل وبناء الثقة معه لمعرفة المشاكل والأفكار السلبية التي يمر بها، وتفنيد الظروف والأسباب التي أوصلته إليها ومن ثم تأطير الأفكار بأسلوب مناسب لتعليمه كيف يتعامل معها.

الاستخدام

دواعي كثيرة لاستخدام العلاج المعرفي السلوكي ولكن أكثرها، وفقاً للدكتورة راما، هي إزالة أو تخفيف أعراض الاضطراب النفسي أو الضيق النفسي كعلاج مستقل بالاشتراك مع الدواء وتمثيل المخططات الأساسية التي تساهم في تطوير الاضطرابات والحفاظ عليها ومعالجة المشكلات النفسية الاجتماعية مثل الخلافات الزوجية وضغوط العمل وإرهاق مقدمي الرعاية والاضطرابات التي تتزامن معه أو كانت ناجمة عنه.

وبينت أن العلاج المعرفي السلوكي يُقدم بشكل مباشر ويكون وجهاً لوجه أو بشكل رقمي عبر الإنترنت، إضافة إلى العلاج المعرفي السلوكي الذي يعتمد على المساعدة الذاتية مثل كتاب وبرنامج عبر الإنترنت أو تطبيق وقد يكون مع أو بدون أدوية نفسية حسب شدة الأعراض

الهدف المعلن

يتميز العلاج المعرفي السلوكي بأنه قصير نسبياً مقارنة مع باقي العلاجات النفسية من حيث عدد الجلسات ومدة كل جلسة ويركز على الحاضر ويهتم بالعلاقة النشطة بين المعالج والمريض، ومراقبة ومتابعة تطور الحالة خلال الجلسات. إذ إن العلاج السلوكي المعرفي يؤكد على الإيجابيات والموارد الداخلية والخارجية للمستفيد منه ويراعي الاختلافات الثقافية والفروق الفردية. وعليه توضح اللحام بأنه إذا كان المرضى يتمتعون بصحة نفسية جيدة نسبياً قبل ظهور اضطرابهم غالباً ما يستفيدون من دورة علاج قصيرة ربما 12 جلسة، أما المرضى الذين تكون اضطراباتهم مزمنة أو معقدة أو لديهم اضطرابات الشخصية، قد يحتاجون إلى جلسات أكثر على مدى فترات زمنية أطول بكثير، ويُعلم المريض طريقة فعالة لحل المشكلات وتقييم الإدراك وتعديل السلوك. خاصة أن الهدف المعلن له هو مساعدته على أن يصبح معالجاً لنفسه حيث ييتم تعليمه الطريقة التي يتحسن بها من خلال تطبيق ما تعلمه في الجلسات، وذلك لإجراء تغيرات صغيرة في تفكيره وسلوكه بشكل يومي.

التصور المعرفي

ينظر إلى التصور المعرفي بأنه حجر الزاوية في العلاج السلوكي المعرفي، فهو يساعدك على فهم العملاء ونقاط قوتهم وضعفهم وتطلعاتهم وتحدياتهم والتعرف على كيفية إصابتهم باضطراب نفسي مع تفكير مشوه وسلوك غير قادر على التكيف، وبالتالي هو يساعد على تعزيز العلاقة العلاجية والتخطيط للعلاج خلال الجلسات واختيار المناسبة وتكييف العلاج حسب الحاجة والتغلب على النقاط العالقة

التقنيات المستخدمة

عادة ما يركز الأطباء النفسيين والمعالجين على ثلاث مكونات في العلاج السلوكي وهي التقنيات التعليمية والمعرفية والسلوكية؛ حيث يقوم المعالج بمساعدة المريض على اختيار صحة الأفكار التلقائية بهدف تشجيعه على رفض الأفكار التلقائية غير الدقيقة أو المبالغ فيها بعد الفحص الدقيق إذ غالباً ما يلوم المرضى أنفسهم عندما تسوء الأمور الخارجة عن سيطرتهم. وهنا تبين الدكتورة اللحام أهمية ما يقوم به المعالج من مراجعة الوضع برمته مع المريض ومساعدته في إعادة تحديد اللوم أو سبب الأحداث غير السارة. كما أن توليد تفسيرات بديلة للأحداث هو وسيلة أخرى لتقويض الأفكار التلقائية غير الدقيقة والمشوهة.

وتوضح من خلال بحثها هذا أهمية التقنيات التعليمية في العلاج لكونها تشمل شرحاً لمفهوم الثالوث المعرفي والمخططات والمنطق الخاطئ الذي يعانون منه المرضى عادة؛ حيث يتوجب على المعالجين إخبار المرضى أنهم سوف يقومون بصياغة الفرضيات معاً واختيارها طوال فترة العلاج. كما يتطلب العلاج المعرفي شرحاً كاملاً للعلاقة بين الأعراض والتفكير والعاطلة والسلوك بالإضافة إلى الأساس المنطقي لجميع جوانب العلاج.

من ضمن هذه التقنيات جدولة الفعاليات على أساس ساعي بحيث يحتفظ بسجل الفعاليات ويراجعه مع المعالج، وأيضاً القيادة والإشراف والمتعة حيث يطلب من المريض تحديد درجة كمية الإشراف والمتعة التي يحصل عليها من خلال الفعاليات، وبتحديث التمارين المهمة وتكرارها فإن المريض يتخيل ويكرر ذهنياً الخطوات المتنوعة عند المواجهة والتحكم والقيادة تجاه التحدي.

إعادة البناء

تسير التقنيات السلوكية المعرفية جنباً إلى جنب، إذ يتم اختبار الإدراك غير المُتكيف وغير الدقيق وتغييره وتتمثل الأهداف العامة لهذه التقنيات وفقاً لما تناولته الدكتورة اللحام في مساعدة المرضى على فهم عدم قدرة افتراضاتهم المعرفية وتعلم استراتجيات وطرق جديدة للتعامل مع المشكلات، وإعادة البناء المعرفي من خلال تحديد الأفكار والصور التلقائية واستخدام تقنيات المناقشة (الحوار السقراطي وسجل الأفكار) التي تساعد المريض على تفحص وتعديل الأفكار والصور التلقائية. كما يتم استخدام التجارب السلوكية لمساعدة المريض على اختبار الأفكار والصور التلقائية بشكل واقعي يترافق إعادة البناء المعرفي مع التعرف على السياق الذي حدثت في الخبرات السابقة وتحديد وتميز الاستجابات التلقائية والعمليات المعرفية والتركيز على تحليل الوظائفية والعواقب والعمليات المعرفي ومساعدة المريض على تحديد وممارسة أنشطة إيجابية بديلة.