"يجب أن تكون البداية في كل كتاب جيد خالية من التحفظات الكثيرة ومن زلات اللسان، وألا تكون المقدمة فيه طويلة جداً ومملة. فالطائرة تضج لفترة طويلة قبل أن ترتفع محلقة في السماء. وحده النسر الجبلي ينطلق محلقاً في السماء الزرقاء من فوق قمة الجبل على الفور ومن دون مقدمات، ثم يرتفع أعلى وأعلى حتى يتحول إلى نقطة سوداء".

بمناسبة الذكرى المئوية لمولد شاعر داغستان الكبير رسول حمزاتوف "8 أيلول 1923" أصدر اتحاد الكتاب العرب كتاباً بعنوان "قلبي في الجبال" من إعداد وترجمة إبراهيم اسنبولي.

لا شك أن البعض يذكر كتاب حمزاتوف "داغستان بلدي" الذي فاض بحكايات تلك البلاد الجبلية وجوانب عديدة من تقاليدها وقصص أبنائها التي خلدت كثيراً من قيم تلك المنطقة الأخلاقية والفكرية تم تناقلها بكثير من الفخر عبر عصور متتالية.

حمزاتوف الذي توفي عام 2003 روى حكايةَ اسمهِ الذي أطلقه عليه شيخ مهيب، وفق تقاليد معينة، كما لو أنه يستعيد حكاية أسطورية جميلة "رفعني الشيخ على يديه عالياً وقال: يجب أن يكون اسم البنت شبيهاً ببريق النجم أو رقيقاً مثل زهرة. أما اسم الرجل فيجب أن يعكس رنين الخنجر وحكمة الكتب. وقد عرفت الكثير من الأسماء بينما كنت أقرأ الكتب، وسمعت أسماء كثيرة من خلال قرقعة الخناجر، وإن كتبي وسيوفي تهمس لي باسم واحد: رسول".

كان والد حمزاتوف الشاعر حمزة تسادسا يقرأ ويكتب بالعربية، وكانت لغة رسمية لداغستان، وقد تعرف حمزاتوف في هذا البيت على دواوين "شعراء العرب الفحول كالمتنبي وأبي تمام والبحتري والفرزدق وجرير وحسان بن ثابت وأبي العتاهية والأخطل وعنترة وعمر بن أبي ربيعة"، كما يشير د. بشار الجعفري في تقديمه للكتاب. وقد كتب أكثر من مئة كتاب في الشعر والنثر.

رسول حمزاتوف شاعر داغستان الأشهر كان على علاقة مع طيف واسع من الأدباء والشعراء العرب، وكان ذا حساسية عالية باللغة والشعر، ففي زيارة له إلى بغداد كان في ضيافة نادي اتحاد الأدباء، وقرأ "فاضل الربيعي، وهو يترنم، لرسول قصيدة منشورة في جريدة الشعب- الحزب الشيوعي العراقي- فسأله حمزاتوف بانزعاج: لمن هذه القصيدة السيئة؟ فخجل فاضل من أن يقول له إنها قصيدتك، وقد ترجمها فلان للعربية، ففطن رسول وقدحت عيناه فقال: إذا كانت هذه قصيدتي، فهذا يعني أنني شاعر سيئ".

يقول شاعر الشعب في داغستان ماغوميد أحميدوف: "يعتبر الشعر عند رسول حمزاتوف بمثابة كتاب واحد وحيد، كتاب الحكمة والبسالة، كتاب المحبة والألم، الصلاة واللعنة، الحقيقة والإيمان، النبالة والخير، كتاب اللحظات العابرة منها والخالدة".

ويرى أحميدوف أن السلطان الوحيد الذي أحنى رسول رأسه أمامه كان هو الحب الخالد والمتسلط:

عندما راحت البلابل تغرد في الأرض

حاكت النساء في مغزل السماء

قطعة ضخمة من القماش لراية الحب

مصنوعة من السعادة والأمل والشقاء

لا تهابوا، يا أصدقائي، بكاء القلوب

وذلك لكي تغرد البلابل لكم عندما تهب العاصفة

بجلوا النساء وانحنوا لهن وأنتم تبتهجون

محتفظين باللون الأفريقي الحار في الدماء

يا عشاق العالم اتحدوا

هذا ما كتبته على راية الحب

وهذا، ربما، ما دفع المترجم لعقد مقارنة طريفة بين ماركس وحمزاتوف: "لقد كان هو الآخر طوباوياً مثل ماركس الذي حاول أن يوقف مثالية هيغل على قدميها، لكن حمزاتوف نجح في جعل صوفية ابن الفارض تقف على قدميها".

ويرى حمزاتوف أن الشعر شاهد على الزمن، وقد كان يردد، وفق أحميدوف، أن الزمن مكون من ساعات ودقائق وأن الشعر هو الشاهد على جريانه، وأن على الشاعر أن يلتقط اللحظة وأن يتلمس عمقها ويتحسس كل خطوة على أنها جزيء من الأبدية.

وعن قوة حضور الشعر وأثره العميق في الحياة والناس ينقل الناقد فالنتين أوسيبوف عن حمزاتوف قوله: احتاج القياصرة لمئة سنة لكي يخضعوا بلدي بقوة السلاح، في حين أن ليرمنتوف، الذي كانت حياته قصيرة، تسلح بالشعر فقط لكي يجتاح وطني.

يضم الكتاب عدداً من المقالات والدراسات التي تناولت جوانب من حياة الشاعر وإبداعه وعلاقاته مع أدباء ومبدعين من مختلف أنحاء العالم. كما يضم طيفاً غنياً من قصائده الشعرية التي تقدم صورة من خفق كلماته في سماء هذا الفن.

----

الكتاب: قلبي في الجبال

الكاتب: رسول حمزاتوف

ترجمة: إبراهيم إستنبولي

الناشر: اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2023