وجد الكاتب عصام الحلبي أن من واجبه الكتابة عن الشاعر الراحل عمر أبو ريشة الذي تفرد في عبقريته وشاعريته الفذة لإطلاع الجماهير العربية على بعض نواحي حياته وشعره، هو الذي رافقه طويلاً حتى وداعه الأخير قبل سفره إلى جدة؛ حيث أصيب بجلطة دماغية وتوفي فيها في الرابع عشر من تموز عام 1990.

يبدأ الكتاب بالحديث عن النشأة والتكوين الشخصي والمعرفي للشاعر عمر أبو ريشة الذي ولد بحسب عصام الحلبي في عكا، بينما يذكر بعض المؤرخين أنه ولد في منبج أو حلب عام 1910، والده شافع أبو ريشة ابن الشيخ مصطفى أبو ريشة، الذي تنقل في المناصب حتى بلغ منصب قائم مقام في منبج والخليل، وأمضى سنواته دائم الترحال حتى عاد إلى حلب، وعمل في الزراعة وبعدئذ شغل منصب قائم مقام طرابلس.

ما لا يعرفه كثيرون أن شافع والد الشاعر عمر أبو ريشة كان شاعراً أيضاً كتب قصائد رثاء لكل من شوقي، حافظ إبراهيم وعمر المختار، أما والدته السيدة خيرات الله اليشرطية، فقد كانت مكتبة ثمينة تمشي على رجلين ويتذكرها الشاعر أبو ريشة بأنها أنيقة ومتصوفة حيث كانت تروي الشعر الصوفي، تقول:

الحب للأرواح راح يغذيها

لكنه فضاح يفشي خوافيها

وبالتالي يستنتج الكاتب أن عمر أبو ريشة قد تعلم العربية والتصوف وقرأ القرآن في أسرة والدته، واستقى الشعر عن أبيه وأمه، أما العلوم الإنسانية واللغة الأجنبية فقد أخذها عن مربيته السيدة هيلانة حوا التي أشرفت على تعليمه حتى غادر إلى بيروت ليكمل تعليمه، ثم إلى المدرسة الرشيدية في حلب، ومنها إلى الجامعة الأميركية في بيروت لإتمام دراسته الثانوية.

سفره وعمله الدبلوماسي

يذكر الكتاب أن الشاعر عمر أبو ريشة تعرف في بريطانيا إلى اللورد هيدلي الذي كان يعنى باللغة العربية وآدابها، وتردد عليه وذكر له آيات من القرآن الكريم التي عكف أبو ريشة على دراستها، إضافةً إلى التمعن باللغة العربية فبدأت مواهبه الشعرية تظهر شيئاً فشيئاً.

وعندما عاد إلى حلب عين مديراً لدار الكتب الوطنية ثم سفيراً في البرازيل؛ حيث بدأ عمله الدبلوماسي ثم تابع في تشيلي والأرجنتين والنمسا والهند والولايات المتحدة الأميركية، حتى أحيل إلى التقاعد عام 1971 واستقر في بيروت.

آراء عباقرة الفكر والأدب

نلاحظ تميز الشاعر عن غيره من وجهة نظر عمالقة الأدب ومنهم: د. شاكر مصطفى الذي يرى في مجلة "العصبة الأندلسية" أن الكلمة عند أبو ريشة شحنة من الشعور ولديه معجمه المبتكر ومفرداته الخاصة وكلماته التي تميزه عن سواه، وكذلك د. عبد السلام العجيلي الذي يرى أنه أدخل الجديد إلى الشعر كوحدة القصيدة وبيت المفاجأة الأخير، إلى جانب رأي د. طه حسين الذي تنبأ بمستقبل أرفع من النجم لأبو ريشة.

صفاته الإنسانية

أما عن قصة اللقاء بين الكاتب وأبو ريشة، فقد تعرف إليه في أوائل الثمانينات، ودخل بيته وكان ينهل منه سيمفونيات رائعة في علم الحياة والأدب والشعر، وأدرك تواضعه ورقه قلبه، وصدق أحاسيسه ومشاعره، فهو بحسب الكاتب متواضع كإنسان، جبار كشاعر، ودبلوماسي بارع مثل بلده في أصقاع من العالم، وترك آثاراً أدبية وفنية وشعرية فيها.

ويتضمن الكتاب أشعاراً لعمر أبو ريشة عن المرأة يقول:

حسناء هذي دمية منحوتة من مرمر

طلعت على الدنيا طلوع الساخر المستهتر

وسرت إلى حرم الخلود على رقاب الأعصر

وإلى جانب أشعاره عن المرأة نجد شعر الوصف والخيال في قصيدته "كاجوارو" والشعر القومي والوجداني مثل قصيدتي "عرس المجد" و"بعد النكبة"، وحكايته مع شعر الرثاء، و"الأخطل الصغير".

----

الكتاب: عمر أبو ريشة كما عرفته

الكاتب: عصام الحلبي

الناشر: دار النفائس، بيروت، 2011