"يجب أن يعمل جهازك على توتر 110 فولط، أما إذا كان توتره 220؛ فيجب الاستعانة بمحوّل (ترانس). كما يُمنع منعاً باتاً قاطعاً أن تمدّ يدك إلى الجهاز والتيار مُتصل به لأي سببٍ كان، لأن التيار يترواح بين 9 و 18 ألف فولط، وهذا يستطيع أن يصرع فيلاً في ثانية واحدة أو أقل. ممنوع منعاً باتاً قاطعاً أن تنقر على شاشة الجهاز حتى لو استبدّ بك الطرب، لأن الشاشة سريعة العطب، وإذا تعرضت لنقر من هذا النوع فإنها قد تنفجر".

هذا "التحذير" الطريف، هو بعض من مقال لمجلة فنية سورية، كانت نشرته في الأول من حزيران سنة 1960 م ضمن مقال عنونته "ما يجب أن تعرفه عن جهاز التلفزيون قبل انتشاره". هذا المقال المُفعم بالنصائح حول جهاز التلفزيون، والذي يُثبته الكاتب عماد ندّاف في كتابه (التلفزيون والكتابة الدرامية)؛ يُشير إلى الكثير من الآمال التي بُنيت على هذا الاختراع المُدهش حينها، والذي يُمكن أن يدفع بمتلقي نتاجاته لأن يستبدّ به الطرب، فيذهب وينقر على الشاشة مُنتشياً.

ولأجل هذا المتلقي وغاية جذبه مُنتشياً؛ يسرد عماد نداف مسيرة الكتابة للتلفزيون، هذه الصنعة التي مرت في الكثير من الزواريب والمواهب التي تراوحت بين الموهبة الفطرية إلى الصنعة الاحترافية الخالصة. من هنا يبدو كتاب (التلفزيون والكتابة الدرامية) أقرب إلى البانوراما الشاملة حول تاريخ مسيرة الكتابة للتلفزيون في سورية، لا سيما نصوص الدراما، وذلك منذ بدأ التلفزيون إرساله مساء يوم السبت 23 تموز 1960م من قمة جبل قاسيون في دمشق. ويضيف نداف: منذ البداية كان التلفزيون يحتاج إلى مادة يعرضها للجمهور الذي هو الطرف الآخر في مُعادلة الاتصال، ومنذ اللحظة الأولى كان من الضروري الالتفات إلى الصورة التلفزيونية، لأنها الجديد في ظهور التلفزيون التي تُميزه عن الراديو الذي كان موجوداً بشعبية عارمة، كما لم يكن عصر السينما بعيداً، السينما التي ستطل برأسها سريعاً عبر الشاشة الصغيرة، والتي بدت وكأنها ابنتها، ومع حضور آخر للمسرح. وهكذا سيكون التلفزيون تكثيفاً لكلِّ وسائل الاتصال السابقة، وأكثر ما برز هذا التكثيف، برز في الكتابة الدرامية. وهو الأمر الذي دفع بصنّاع الدراما منذ البداية لتقديم دراما ترقى لصناعة الدراما السينمائية، وكان على كتابها – برأي نداف- أن يقدموا على خطوة مهمة هي تفكيك بنية النص الدرامي السينمائي "سيناريو الفيلم السينمائي" وإعادة بنائه على أساس تلفزيوني مستفيدين من كلّ الخبرات الأخرى للوصول إلى شكلٍ ما للنص الدرامي التلفزيوني يُشبهه أو يتقاطع معه أو حتى ينفيه.

وفي قراءة للدراما التلفزيونية، يُمكن أن يُصنفها المرء بمستويات تُقارب ملامح ما سبقها من إذاعة عندما تقع في مطب الثرثرة، أو قوة التمثيل وهذا يكون مستمداً من المسرح، أو الاعتماد على الصورة الذي جاء بتأثير السينما، وفي هذه المرحلة، أو قل في هذه النتاجات البصرية تكون الدراما التلفزيونية في ذروة نجاحاتها.

لكن قراءة مسيرة الكتابة الدرامية للتلفزيون التي يسردها عماد نداف، تُشير إلى الكثير من الالتباسات التي كانت تضرب هذا الركن في الدراما – الكتابة، لا سيما في علاقة هذه "الصنعة" مع الأدباء والرواية، والرواية السورية بشكلٍ خاص، وكأن نداف كان يعوّل على النص الروائي السوري ليُشكل الرافعة لصناعة الدراما السورية.

يدخل عماد نداف في تدوينه للكتابة الدرامية للتلفزيون؛ بعيداً في التقنية والتكنيك، محاولاً تمييز "السيناريو والحوار" عن مختلف الكتابات الأخرى، ليصل إلى المحطات التي شكلت انعطافات أو كانت تُشكّل انعطافات جديدة في كتابة الدراما التلفزيونية.

فيذكر أن الدراما التلفزيونية دخلت إلى حيز الإنتاج منذ المرحلة الأولى التي انطلق فيها التلفزيون السوري، وفي تفاصيل أول دورة برامجية يعرض العناوين التالية: (البيت السعيد، حدث في مثل هذا اليوم، فكّر تربح، نادي الأطفال، سهرة دمشق، هذا الأسبوع، أذكر هذا اليوم، مجلة التلفزيون، والأيام تدور). ومن هذه العناوين يتوقف الكاتب عند البرنامج الخامس "سهرة دمشق"، فقد احتوى هذا البرنامج على "الدراما السورية" في أوّل ولادة لمشاهدها، مع إشارته إلى أنها كانت كتابة جماعية. كما يُشير إلى أن أغلب أحاديث الذكريات عن ظهور الدراما وظروف إخراجها، يجري الحديث مفصلاً عن الظروف الصعبة للعمل للتلفزيون، كما غاب الحديث الموثق عن ظهور الدراما التلفزيونية في سورية طويلاً، ففي البداية يُلاحظ الباحث غياب خطة العمل المتعلقة باختيار النصوص، وغياب الخبرات التلفزيونية في كتابة النص الدرامي، والاعتماد على الخبرات الإذاعية، كما يُشير إلى دخول كتّاب القصة والرواية على خط كتابة الدراما. وفي مرحلة لاحقة ستظهر مجموعة كتّاب يُقسمها نداف إلى ثلاثة أنواع: تجربة المخرجين في كتابة النصوص، ومحاولات الكتّاب الإذاعيين ولوج الكتابة التلفزيونية لكن بتردد، والثالث: دخول بعض الأدباء مجال الكتابة الدرامية لا سيما الكتّاب: عبد العزيز هلال، عادل أبو شنب، وممدوح عدوان. ثم محمد الماغوط، أي كانت مسيرة الكتابة قد وصلت إلى زمن ثمانينات القرن الماضي. هذه المرحلة التي تعتبر من أهم المراحل التي أسست لشهرة الدراما التلفزيونية السورية، وهي مرحلة الإنتاج الرسمي، ثم لتتضافر معها في التسعينيات شركات إنتاج خاصة دخلت على خط صناعة الدراما، ومن ثمّ ابتعدت عن التوجهات والرؤى الرسمية في قراءتها للنصوص الدرامية. فقد استكملت الدراما التلفزيونية السورية في تسعينيات القرن الماضي مرتكزات الصناعة التلفزيونية ومهاراتها وأدواتها، فتلقفتها السوق العربية التي وجدت في المنتج الدرامي السوري مادة مناسبة لها، ولم تكتف بذلك، بل قامت بتشذيبه بما تراه مناسباً لها رقابياً تحت إغراء رفع سعر الساعة الدرامية إلى عشرة آلاف دلاور عند الاستجابة إلى شروط رقابية مُحددة. باختصار: بدأت الدراما السورية تحصل على شهرة خارج الحدود المحلية، وجاءت هذه الشهرة من سمعة الكتاب والفنانين والمخرجين، ونتيجة لذلك توسع الإنتاج وراح يستجيب إلى متطلبات الإنتاج الرائج واشتغل الكتّاب الدراميون السوريون على صياغة عشرات النصوص التلفزيونية؛ نصوص تاريخية، وكوميدية، وواقعية، وبدوية، ثم استجابوا لشروط المحطات التلفزيونية التي تشتري بسعرٍ أعلى في محاولة لخلق آليات إنتاج تتوافق مع احتياجاتها وشروطها هي، باختصار: رضخت صناعة الدراما التلفزيونية السورية سريعاً للسوق بدلاً من أن تتحكم هي فيه، وهنا كان أكبر خطأ وقعت فيه هذه الصناعة.

يؤكد نداف: إنّ أخطر ما في بعض كتابات تلك المرحلة، أنها كانت تُكتب بناء على طلب المنتجين، وهذا ما أوقعتها في المزاجية والفوضى والقولبة، فظهرت سويات مختلفة منها، لا سيما بعد أن كسر الإنتاج الدرامي المحلي والعربي احتكار التلفزيون السوري لصناعة الدراما، فنشأت شركات الإنتاج المحلية، ودفعت الأموال لتأسيس شركات جديدة عربية وسورية، ودارت عجلة الإنتاج لتقدّم أعمالاً لا ناظم لها ضمن فوضى لاتزال مستمرة، تراكمت خلالها أعمالاً لم تكن بالسوية المطلوبة، في الوقت نفسه قدمت فيه أعمالاً ضخمة وقوية بحرفية عالية. وهو ما خلق جدلاً جميلاً خلال تسعينيات القرن الماضي ولو لم يكن ناضجاً، كما تمّ تسجيل انخراط كتّاب الرواية والقصة والشعر في كتابة النص الدرامي التلفزيوني، حيث راحت هذه الكتابة تواصل مسيرتها كفن إبداعي يقدم عليه الأدباء المعروفون، كما دخلت المرأة مجال الكتابة الدرامية رغم أن تجربة الكتابة النسوية لم تخرج عن الجو العام لمجموع تجربة كتابة السيناريو، وإن ركزت خلالها، أكثر ما ركزت على قضايا المرأة.

----

الكتاب: التلفزيون والكتابة الدرامية

الكتاب: عماد ندّاف

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب