في العصور الإسلامية الأولى وفيما قبل الإسلام، كانت حلب بُليدة ثانوية محصورة بين مدينتين عظيمتين هما أنطاكية عاصمة سورية الشمالية، وقنسرين عاصمة الديار الحلبية.

ومنذ عهد الصليبيين لمع حظ هذه المدينة. ففي عهد السلاجقة غدت بسبب وقوعها على تخوم بلاد الرافدين مركز سياستهم في الشرق، كما غدت مركز الدعاية ضد الدولة الفاطمية، وفيها أُسست أول مدرسة سورية. وفي نهاية القرن الثاني عشر الميلادي ابتدأت نهضة المدينة على الرغم من الغزو التتري الكاسح سنة 1260م، والذي خلف خراباً مدة ربع قرن، إلا أنها استمرت في نهضتها قُدماً.

ومنذ هذا العهد صارت حلب مركز القيادة الحربية لحماية حدود الإمبراطورية الشامية المصرية ضد الصليبيين، ثم ضد كافة الغزاة القادمين من المشرق ومن قلقية، فقد صارت عاصمة المملكة فترة ما، ثم استقلت وغدت إمارة مهمة، كان ملوكها وأمراؤها لا يفتؤون يشيدون فيها العمائر الدينية.

وبعد احتلال الصليبيين لأنطاكية وتدميرها، أصبحت حلب المركز التجاري الإسلامي لتجارات إيران والهند، والثغر الإسلامي الثاني بعد القسطنطينية وأزمير، وصارت تحتوي على عدد عظيم من الأبنية الدينية والعمائر المدنية.

ولقد كان لآثار حلب مزايا تنقسم إلى قسمين (علمية وفنية)، أما العلمية منها فكان لها تأثير كبير على الأبنية الإسلامية في سورية كلها، بسبب طابعها البارز وبنائيها البارعين، كذلك كان لها تأثير واضح حتى على الفن المعماري المصري، كما يظهر في آثارها جلاء ودقة وتسلسل مقدار الإتقان المعماري وتطور الأفكار الدينية، والإدراك الفني والتنظيم التجاري والصناعي في سورية الإسلامية.

ولسور مدينة حلب أهمية عظيمة لأنه الوحيد من نوعه في الشرق الإسلامي، كما أن الجزء الذي يستحق البقاء من حائط السور، هو الجزء الذي يبدأ من باب الجنان إلى باب قنسرين، والجهة الغربية وجزء من الجهة الجنوبية. ويلاحظ أن هذا الجزء مكون من بناء يرجع إلى ثلاثة عهود هي (عهد بناء الأساس "العهود القديمة"، وعهد الطبقة التي تلي الأساس "القرن الثالث عشر" وأيام المماليك، وعهد الطبقة العليا). أما الجهة الجنوبية من السور فهي ليست مغطاة بأي بناء حديث، والخندق الذي أمامها يصونها.

ومن آثار حلب باب النصر الذي بُني في السنوات الأولى من القرن الثالث عشر الميلادي، وباب أنطاكية المبني سنة 1245 م، وباب قنسرين الذي يرجع عهده إلى ما قبل القرن الثالث عشر الميلادي، وباب الفرج الذي لم يتبقّ منه إلا برج جُدد بناؤه أيام قايتباي في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي، وباب المقام الذي جدد بناءه برسباي في القرن الخامس عشر الميلادي، وباب الحديد "باب القناة" الذي بناه قانصوه الغوري سنة 1500م، وباب الجنان الذي لم يبق منه إلا برج واحد جُدد بناؤه سنة 1514م.

أما قلعة حلب فتعتبر من الآثار الحلبية تقع على رابية نصفها طبيعي وآخر اصطناعي، وهي بشكلها الحالي ترجع إلى عهد السلطان الملك الظاهر غازي، كما أن قسماً كبيراً منها يرجع إلى القرن الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر للميلاد.

وفي حلب أيضاً الجامع الكبير ومقام الصالحين وجامع القيقان وضريح الشيخ محسن والمدرسة الحلوية، وجامع النوتة والمارستان النوري والمدرسة المقدمية والمطبخ العجمي، ومشهد الحسين وجامع الشيخ معروف والمدرسة السلطانية والمدرسة الأتابكية، والتربة الدرويشية والمدرسة الظاهرية البرانية والمدرسة الكاملية البرانية، والزاوية الكمالية والزاوية البزازية ومدرسة الفردوس وخانقاه الفرافرة، والمدرسة الشرفية ومارستان أرغون وغيرها.

ومن بعض آثار حلب الثانوية، جامع بحسيتا الذي تعود منارته إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وخان الفاخورة وهو بناء من القرن السادس عشر الميلادي، والمصبنة العثمانية وهي سوق صغير قديم يعود للقرن السابع عشر الميلادي، وخان القاضي وهو أقدم خانات حلب.

ومن أبرز دور الحديث والعلم الحلبية دار الحديث السهيلية وهو دار حديث قديم، والمدرسة المنصورية، والمدرسة الأسدية التي تنسب إلى الأمير أسد الدين شيركوه، والمدرسة الشعبانية وهي مدرسة عظيمة تعتبر اليوم من المدارس الإسلامية الكبرى، أيضاً المدرسة العصرونية وهي كبيرة قديمة منسوبة إلى ابن أبي عصرون ويرجع عهد بنائها الأول إلى أيام الملك العادل نور الدين الشهيد محمود بن زنكي.

ومن أبرز تكايا وزوايا وخوانق حلب، التكية الإخلاصية المتقنة العمارة على النمط التركي، والزاوية الوفائية وتعرف الآن بزاوية البعاج، وخانقاه البلاط وهو أول خانقاه بني في حلب، وخانقاه الملك العظيم، والتكية المولوية المنسوبة إلى جلال الدين الرومي، وتكية القرقلر المبنية فوق مغارة الأربعين.

كما تضم حلب عدداً من القساطل والسبلان منها قسطل الناصري وسبيل رجب باشا وقسطل الشاويش وسبيل رقبان وسبيل جب القبة. ومن حماماتها القديمة حمام السلطان وحمام الست وحمام الواساني وحمام القبة وحمام بردبك أنابك وحمام العفيف وحمام الشماس وغيرها.

----

الكتاب: الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب

الكاتب: محمد أسعد طلس

الناشر: مؤسسة هنداوي