منذ بداية ثمانينيات القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين طوّر فريدريك تايلور نظرية الإدارة العلمية التي كانت مؤثرة لفترة وجيزة في أساليب العمليات ضمن الصناعات، كذلك كان من رواد النظريات والممارسات الإدارية الآخرين توماس واتسون وروبرت إي وود وجورج إيلتون مايو، إضافة إلى ذلك كانت لهنري فايول فائدة عظيمة في تطوير ممارسات الإدارة، كما كان بيتر دروكر من أهم المنظرين أصحاب الرؤية في الإدارة، إذ تشتمل معظم المناقشات والممارسات في الإدارة والقيادة في يومنا هذا على أعماله.

وبالنسبة إلى دروكر فإنه في تاريخ البشرية لم تحظَ وظائف كثيرة بالقبول وسرعة الانتشار مثلما حصل لوظيفة الإدارة، ففي غضون أقل من 150 عاماً غيرت أساليب الإدارة البنى الاجتماعية والاقتصادية بالكامل في الدول الصناعية. وفي السنوات الأخيرة ابتعدت الإدارة عن الانشغال بالإشراف على الموظفين قليلي الخبرة لتنشغل أكثر بمجتمع العمال ذوي القدرة على التعلم والمعرفة، وقد حول التطور في الإدارة المعرفة من شكل من أشكال البهرجة والكماليات الاجتماعية إلى رأسمال اقتصادي. ولا تزال الوظيفة الأساسية للإدارة على حالها (تمكين الناس من الوصول إلى إنجاز مشترك من خلال القيم الأخلاقية المشتركة، والأهداف والبنى، والمزيد من التدريب، ليتمكنوا من الاستجابة للتغيرات).

وممن استند إلى تعاليم دروكر الأستاذ الجامعي في إدارة الأعمال فريدموند مالك، وهو مدرس ومفكر مهم في شؤون القيادة، ووفقاً له فإن الإدارة هي الجسم المبدع والمحرك في المجتمع ومؤسساته، أما القادة الفعالون فكلهم لديهم قاسم مشترك هو القدرة على إتقان مهنتهم، وهذا يعني أنهم يحملون مبادئ معينة تقود أفعالهم، إنهم يؤدون مهامهم باستخدام أدوات معينة بحرفية وكفاءة عاليتين، ويتحملون المسؤولية كذلك. وبالنسبة إلى مالك فالمسؤولية كعنصر من عناصر القيادة الاحترافية تعني أن نكون على استعداد للمساءلة عن أعمالنا وعدم إساءة استعمال سلطتنا الشخصية، والمسؤولية بالنسبة إلى مالك هي خيار، وكل من لا يختار تحمل المسؤولية ليس بمدير بل شخص في مهنة ما.

والقيادة الجيدة تعتمد بشكل كبير على شخصية القائد، وغالبية النظريات والمقاربات التي تحدد القيادة الجيدة تعتمد على شخصية القائد، وتعتبر سمات الشخصية وخصائصها والشخصية الآسرة (الكاريزما) والتفكير والسلوك والأهداف والقرارات، كلها أمور حساسة وحاسمة لطبيعة ونجاح القيادة، وهذه الجوانب تشكل مجموعة فرعية واحدة من أساليب القيادة القائمة على الشخصية، أما المجموعة الفرعية الأخرى فتركز على شخصية الموظف وتأثيره في عملية القيادة.

والمديرون لا يمكن تمييزهم بأدوارهم فحسب، بل بسلوكهم القيادي أيضاً، وهنا يفرق مايكل ماكوبي بين أربعة أنماط إدارية كبرى وهي (الاختصاصي/ مقاتل الغابات/ رجل أو سيدة الشركة/ صانع اللعب)، في حين حدد أستاذ علم النفس في جامعة أوغسبورغ أوزوال نويبرغر ستة أزواج من أنماط القيادة شديدة التمايز (الزميل الودود مقابل المعاون/ المتحكم مقابل المراقب/ المنسق الرئيس مقابل الشريك/ الحامي مقابل الوسيط/ اعمل ذلك بمفردك مقابل أن نقوم بذلك معاً/ من يقود السيارة مقابل من يقول هيا نذهب).

والقيادة تهدف إلى تحقيق الانسجام بين الأهداف التي يحتمل أن تتضارب بين المنظمة والموظفين، وحتى الأفضل من المديرين سيفشل إذا لم يعترف موظفوه بسلطته، لذلك يجب أن يكون لدى المدير والموظفين "كيمياء" جيدة، وأن يتناسب المديرون ورؤسائهم في العمل.

والقيادة تتطلب معرفة الذات، لذلك يجب أن يكون القائد قادراً على التراجع عن تعريفه الواعي لذاته من أجل أن يدرك من هو حقاً، وليس من يريد أن يكون، ويتضمن الوعي الذاتي معرفة تأثيرنا في الآخرين، لأن هذه التأثيرات تحدد العلاقات، فإدراك الذات هو أحد أهم أركان الإدارة الحديثة.

كما تعني القيادة التواصل، فالعلاقات تقوم على التواصل، ذلك كي يتمكن الأشخاص ذوو المهارات المختلفة وقواعد المعرفة المختلفة من العمل معاً، ولضعف التواصل آثار خطرة على المنظمة وأعضائها في جميع المستويات، كونها تخلق فجوات المعلومات وسوء الفهم والشائعات وأخطاء وصراعات وسوء نية.

والقيادة أيضاً تعني التكيف مع التناقضات، وهي صراع مستمر لإيجاد أفضل الحلول الممكنة. وعلى القائد ألا يكون قادراً على استيعاب المواقف المتضاربة بين الموظفين أو بينه وبين المشرفين فحسب، بل أن يكون قادراً على العيش في تناقض واقعي مع عدم وجود مخرج واضح، وهذا ما يسمى "معضلات الإدارة" ويتطلب الغموض الطبيعي في القيادة حلولاً وسطاً بين البدائل التي تكون إما ضرورية وإما مخيفة (خيار بين أمرين أحلاهما مر).

كذلك تعني القيادة إدارة التغيير، وهذا يعتبر موجود على جدول أعمال معظم المديرين سواء بإرادتهم أم لا، إنها عملية تكتسب من خلالها الشركات والموظفون القدرة على التكيف مع كل من التغيير المتوقع وغير المتوقع.

والقادة البارزون عندما يشعلون شرارة شيء ما في الناس الآخرين، فإنهم ينقلون العاطفة التي تحترق فيهم ويوقدونها في الآخرين بكلماتهم والتزامهم، وإن الطاقة والمثابرة والتصميم والثقة بالنفس هي الملهم والحافز، وهي الخصائص الرئيسة للمديرين الجيدين، والمثابرة والثقة بالنفس والإيمان بالهدف المشترك هي سمة من سمات القباطنة الناجحين.

----

الكتاب: القيادة ما يهم حقاً

الكاتب: دانييل ف بينو

ترجمة: سارية الطباع

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب