يشكل إطلاق احكام القيمة على الأدب بأجناسه رؤية فكرية حينما يغوص الناقد في ربط النص بالقضايا العلمية الفلسفية منها والتطبيقية التجريبية. والنقد الأدبي له مناهج ومدارس متعددة، بحيث شكل كتاب "مبادئ النقد الأدبي" دراسة تحليلية فكرية نقدية أدبية لنصوص تجنيسية وفق مدارس ومناهج الأجناس الأدبية.

يشير الباحث الناقد آ.أي. ريتشاردز صاحب كتاب "مبادئ النقد الأدبي، دراسة أدبية" إلى أن الكتاب آلة بـهـا يتم التفكير، دونما حاجة إلى اغتصاب وظائف القاطرة أو الكبر، وخير ما يقارن به هو نول، من المفترض أن يعـاد بـفـضـله نسج الأجزاء المنسولة من حضارتنا، ويمكن عرض أهم شيء بشأنه، وهو ربط وجهات النظر المتعددة الواردة فيه بعضها ببعض، وإن لم يكن بالوضوح ذاته.

فالمرء لا يتوقع أوراقاً جديدة عندما يلعب لعبة تقليدية، بل المهارة وهي الأمر المهم، لقد اختار العرض على أضيق نطاق للمواءمة بين المواقف المتنوعة التي تم تبنيها وجمعها في كل محكم. فقد اجتزأ التفصيلات والاستطرادات التي توحي بنفسها عند النقطة التي يمكن إدراكها بحيث تستكمل بالتفصيلات والتوسعات. وخطورة هذا النهج، بكل مـا فـيـه من منافع كبيرة، هو أن الأجزاء المختلفة التي تشكل تعليلاً مترابطاً كهذا إنما يضيء بعضها بعضاً، والاجتزاء والقطع ربما يفسر ذلك، فالكاتب الذي يتبنى موقفاً كاملاً، أو ينبغي أن يتبنى مثل هذا الموقف، ربما بغض النظر عن مصادر الغموض، وذلك بفضل الصيغة التسلسلية للعرض، ومحاولة الحيلولة دون حصول ذلك عن طريق الإحالات المتقاطعة العديدة قدماً وإلى الوراء.

يبدو أن مسار عند المؤلف آ.أي. ريتشاردز ينقطع في نقاط متعددة، خصوصاً في الفصلين السادس والسابع والفصول من الحادي عشر إلى الخامس عشر، بسبب الجولات الطويلة في نظرية القيمة أو في مـيـدان علم النفس العـام. وكـان يمكن حذف هذه الجولات لو تبين بأنه بالإمكان تطوير الحوار في البقية بصورة قوية وواضحة رغم حذفها.

والنقـد هو محاولة للتمييز بين التجارب وتقويمها. ولا نستطيع مثل ذلك دونما فهم لطبيعة التجربة أو بدون نظريات تقويم وتواصل. وينبغي المطابقة في النقـد من هذه الدراسات الأكـثـر جـوهرية.

أما المبادىء النقـدية الأخـرى فـهي عشوائية، وتاريخ الموضوع يعـد سـجلاً لمؤثراته المعيقة. ولا بد من تبني وجـهـة نظر القيمة المتضمنة في الكتاب من قبل العديدين بصيغـة ما. بحيث ينبغي صياغة تعبير كامل مقبول مشفوع بتطبيقات وشروح.

وهناك ملاحظات تنطبق على التوسع النظري الثاني في الفصول النفسية، ويبدو أنه ليس أمام المؤلف من خيار آخر إن لم يرغب في أن يساء فهم المقاطع النقدية فيما بعد أكثر من أن تحتوي بوصفها تمهيدية ما يمكن أن يعـد مقالة موجزة حول علم النفس. لأن جميع مـوضـوعـات علم النفس تقريباً يثيرها النقد عند هذه النقطة أو تلك ولكنها تثار من زاوية لا تنعم كتب النصوص العادية النظر من خلالها.

أعتقد أن هاتين الصحراوين تتجاوزان ما يمكن توقعه من مقالة في النقد، في حين تتـفـق بـقـيـة الكتـاب بـصـورة أوثق مع هذا التوقع، على الرغم من أن اللغة التي صيغت بها بعض الملاحظات الأكثر وضوحاً تبدو منفرة على نحو غير ضروري، إذ إن شرح الكثير من فظاظة مصطلحاتها الفنية الصارخة تنشأ عن الرغبة في ربط شائع من النقد بالعرض التصنيفي لعلم النفس.

يخشى المؤلف آ.أي. ريتشاردز أن يكون كتابه مفتقراً، بصورة محزنة، للبهارات المتوقع وجودها فيما يكتب في الأدب. إذ يفترض النقاد، وحتى المنظرون في النقد حالياً، أن واجبهم هو أن يكونوا مـثـيـرين، يـهـيـجـون في الذهن عواطف مناسـبـة لمـوضـوعـهـم الجليل. أما هو فـقـد عـزف عن هذه المحاولة. وأحسب أنه اسـتـخـدم كلمات استطاع تعريفها في الاستخدام الفعلي التي نحتها من أجله. ولهذا لا تمتلك مثل هذه المفردات إلا قدراً يسيراً من القوة الانفعالية. وعلل لنفسه بفكرة احتمال جود أمر ما درس كلياً يتعلق بذوق التأمل الذي يتطلب إضفاء نكهة على ما هو مخلد أو مطلق أو حتى ما يعرف بالبهارات الأدبية مثل الإتقان والعمق.

إن أساليب كتابه المختلطة التي تجدول شعور المتلقي وتفكيره تغدو خطيرة بصورة متزايدة على الوعي الحديث بتعاظم إدراكه للتمايز. فالفكر والشعور قادران الـيـوم على تضليل بعضهما بعضاً بطرق لم تكن ممكنة قبل ستة قرون. إننا بحاجة إلى تعويذة من علم أكثر نقاء وشعر أكثر صفاء قبل أن يتمكن الاثنان من الاختلاط، علماً بأن هذا الاختلاط لم يعد مرغوباً أساساً.

إن المعرفة التي سوف يمتلكها إنسان الألفية الثالثة بعد الميلاد، إذا ما سارت الأمور على ما يرام، ستجعل علم الجمال وعلم النفس ونظرية القيمة الحديثة لدينا تبدو كلها مثيرة للشفقة يرثى لحالها. وسوف يبدو المنظور كله تافـهـاً إذا لم يكـن الأمر كذلك حقاً. فالفكرة التي تدور في أخـلادنا وهي "مـاذا سنفعل بالقوى التي نطورها بسرعة، وماذا سيحل بنا إذا لم نتعلم كيف نوجهها في الوقت المناسب؟".

أرى أن هناك فجوة بين امتلاك الأفكار وتطبيقها. وكل معلم يجفل عندما يتذكر ذلك. وفي محاولة للتصدي لهذه الصعوبة لا بد من "النقد العملي" بحيث يتم وضع قصائد بالغة السوء وأخرى بالغة الجودة دون توقيع أمام جمهور كبير من المستمعين الأكفياء، ومعرفة تعليقاتهم التي كتبوها لإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن وجهات نظر تجسم القصيدة والرأي المحتمل فيها. ويسفر ذلك تحليل مادة تحليلاً منهجياً تحمل تعليقاً ممتعاً، ليس بشأن حالة الثقافة المعاصرة فحسب، بل تكون أيضاً أداة تربوية تعليمية قوية.

----

الكتاب: مبادئ النقد الأدبي، دراسة أدبية

الكاتب: آ.أي. ريتشاردز

ترجمة: الدكتور إبراهيم الشهابي

الناشر: منشورات وزارة الثقافة، دمشق 2002