يجيب كتاب "فن قراءة العقول" لمؤلفه هنريك فيكسيوس على سؤال جوهري، ربما شغل بال الكثيرين، وهو: كيف نفهم ونؤثر في الآخرين دون أن يلاحظوا ذلك؟ ولكي نحصل على إجابة وافية أو نمارس هذا الفن، علينا أن نكون ضليعين في علم النفس والفلسفة وربما الروحانيات. وسنتعرف على ذلك في رحلة ممتعة مع المؤلف عبر إثني عشر فصلاً.

في الفصل الأول يبين الكاتب معنى "قراءة العقول"، ويرى أن الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أخطأ حين فصل بين العقل والجسد، وأطلق مقولته المعروفة التي استهوت آذان المثقفين آنذاك "أنا أفكر، إذاً أنا موجود". وكان بوسع علماء الأحياء وعلماء النفس البرهنة على نقيض زعم ديكارت علمياً، لأن العقل والجسد مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ولا يمكن أن يرد خاطر ما في الذهن دون أن يحدث شيء ما مادي أيضاً. وكلُّ فكر يؤثر في الجسد بطريقة ما. فحين نخاف يجفّ ريقنا ويزداد تدفق الدم إلى أرجلنا كاستعداد لاحتمالية الهروب بعيداً. ويحدث العكس كذلك. فإذا حدث شيء لجسدنا فإنه يؤثر في أفكارنا.

رأى فيكسيوس أننا نقرأ عقول بعضنا دون أن ندرك ذلك، لكننا لا ندرك كيف، وحين ندرك سنكون مؤهلين لتدريب أنفسنا على القيام بهذا الأمر على نحو أفضل. كما أننا حين ندرك أن الجانبين العقلي والبيولوجي هما وجها الشيء نفسه، فإننا سنكون قادرين على قراءة العقول بدقة أكثر.

ثم ينتقل إلى الفصل الثاني ليتحدث عن كيفية تأسيس علاقة مع شخص نحبه دون أن ننبس ببنت شفة؛ حيث تعدُّ العلاقة الأساس لكل تواصل اجتماعي ذي معنى. ومع أن موضوع الكتاب بعيد عن محتوى هذا الفصل إلا أن المؤلف يريد إيصال فكرة أن العلاقة تساعد على معرفة ما سنرصده لدى الآخرين قبل إقامة العلاقة معهم، وتقوم أغلب العلاقات بين أناس متشابهين في الميول والرغبات، وبعد مضي وقت يكون التأثر متبادلاً بين الطرفين.

في الفصل الثالث يرشدنا المؤلف إلى تعلم كيفية استخدام لغة الجسد، وإلى طرق أخرى صامتة للعثور على طريقنا على نحو مختلف عما قد نتوقعه، ويذهب أبعد إلى نبرة الصوت ومستويات الطاقة والآراء الشخصية، فلغة الجسد من أهم مجالات التكيف مع الآخر، وكلما زادت قدرتنا على جعل الطرف الآخر يشعر أنه محل اهتمام واحتواء، زادت قدرتنا على محاكاة لغته الجسدية.

أما في الفصل الرابع فيخبرنا المؤلف عن تأثير انطباعاتنا الحسية في تفكيرنا، لأن الانطباعات الحسية قادرة على بناء أفكار جديدة، وهي تشكل جزءاً مهماً من محتوى أفكارنا. ومن هنا نسمع تسميات من قبيل "بصريون أي يعتمدون في الإدراك على بصرهم، وسمعيون يعتمدون على السمع". وإذا استطعنا معرفة أي الانطباعات الحسية تفضلها شخصية ما، فإننا قادرون على معرفة طريقة تفكيرها، وما مهم أو ممل بالنسبة إليها.

يجيب المؤلف في الفصل الخامس على أسئلة مهمة وهي: كيف نكشف دائماً عن مشاعرنا؟ وما هي العاطفة باعتبارها آلية للبقاء؟ ويؤكد أن المشاعر تتدفق كآليات تلقائية، بالنسبة إلى البدء في تشغيل النظام العصبي اللاإرادي دون حاجتنا الأولية للتفكير فيما يجري، وهي تساعد بهذه الطريقة في بقائنا وتطورنا المتتابع إلى كائنات بطيئة من ذوي الاثنين، حسيري البصر، ورقيقي الإحساس.

يستمر المؤلف في كتابه الممتع من خلال تأييد أفكاره من الواقع المعاش أو من الأفلام السينمائية الغربية، حيث يقول في الفصل السادس إنه سيخبرنا بقصة أخلاقية - حدثت معه شخصياً - عما يمكن أن يحدث عندما نستخدم – أو لا نستخدم – مهاراتنا في قراءة الذهن. واستطاع من خلالها اكتشاف ما يدعم وجهة نظره بخصوص انعكاس التفكير على المشاعر وحركات الوجه.

بينما يريد منا في الفصل العاشر أن نلمس مشاعرنا الخاصة، وتلك الخاصة بالآخرين، وكيف نغرس ونثير الحالات العاطفية لدى الآخرين، لذلك فإن أبلغ أثر في الآخرين هو المراسي، وهي ربطنا لموقف أو شيء أو خبرة دون وعي بشعور معين، وهذا شبيه بالموسيقى التصويرية للأفلام، والتي تستخدم في العديد من الأفلام كمرساة للوصول بالجمهور إلى الحالة الشعورية الصحيحة. ومن أفضل الأمثلة على ذلك فيلما الفك المفترس لستيفن سبيلبرغ  وإم لفريتز لانغ، كما يمكن للأماكن أن تمثل مراسي قوية، وكذلك النكهات والروائح، ومن أشهر الأمثلة على المرساة في تاريخ البشرية ما أورده الكاتب الفرنسي مارسيل بروست في روايته "البحث عن الزمن المفقود" حيث يأكل الشخص الرئيسي في الرواية كعكة غمرها في كأس الشاي فيتذكر طفولته بأكملها. وينصحنا المؤلف بإثارة مرساة طاقتنا لننهض ونصبح نشيطين لنبدو سعداء كلما أمكن.

يقول الكاتب إن قراءة العقل ليست خرافة، بل هي حقيقة ممكنة، نقوم بها بأعيننا وما نقرأه يؤثر على أجسامنا وسلوكنا. ثم يضيف بأن الفائدة المرجوة من ذلك هي أننا سنكون أشخاصاً أفضل لأننا سنولي اهتماماً لبعضنا بدلاً من أنفسنا ونستمتع بالحياة أكثر.

----

الكتاب: فن قراءة العقول

الكاتب: هنريك فيكسيوس

المترجم : صامؤيل خيري

الناشر: دار صفصافة