يأتي كتاب "الموسيقى الدينية- جماليات التواصل والتعبير الموسيقي عند الشعوب" لمؤلفه محمد المدني، كبحثٍ طويل في الموسيقا باعتبارها أبرز وجوه الميثولوجيا لا سيما في عادات الشعوب ودياناتهم واحتفالاتهم، حيث تبدو الموسيقا في أول توجهاتها، أنها كانت نحو السماء كفطرة إنسانية.

من هنا فإنّ الموسيقا لم تنشأ على خصام مع الدّين وأغراضه، بل على العكس كانت وظيفتها تهيئ النفوس والأرواح لاستقبال المعاني والقيم الدينية. وهذا ما فعلته المسيحية – على سبيل المثال- من خلال إدخال الموسيقا في الطقوس المسيحية لتحقيق الفرحة أثناء العبادة وتمجيد الله. فهو تمجيد بواسطة الفرح والغناء، وهذا ما عُرف منذ أزمانٍ بعيدة في المعابد القديمة.

ففي بداية ظهورها – على ما يروي الباحث - استقطبت المسيحية أتباع الديانات القديمة بخطابها الروحي والتزهدي والنسكي، وكان تبني الموسيقا في الكنيسة بهدف التنوّع والتعويض عن الجمود الصوفي، وللمساعدة في تحقيق الحس الروحي. ويرى الباحث المدني أيضاً: إنه حينما اختار النبي محمد المؤذن الأوّل بلال الحبشي، فقد اختاره لميزات عنده في الأداء والنداء، وهي بلا شك إمكانيات موسيقية ومواهب مسرحية كانت كامنة عنده.

يقول د. صبحي رشيد في كتابه "الموسيقى في العراق القديم": في بلاد الرافدين التي شهدت مهد الحضارات الأولى بتراثها الإنساني الغني، دخلت الموسيقا ضمن الميثولوجيا القديمة كرافدٍ أساسي في الطقوس والشعائر الدينية، وفي نصب أو تجديد المعابد والآلهة. بالإضافة إلى الشعائر الخاصة بطقوص الموت والانبعاث، وكل ما يتعلق بالأفراح والأحزان.

كما أنّ الأيزيديون المعاصرون حافظوا على عاداتهم وطقوسهم المتميزة التي تتداخل فيها الموسيقا، بل يُمكن التأكيد أن العنصر الأهم في الميثولوجيا الأيزيدية هي الموسيقا.

ومن أشكال الموسيقا التي استقرت عند المسلمين يُعدد الباحث: الموسيقا الدينية الصوفية، الإنشاد الديني الصوفي، التواشيح، الأغاني الدينية، الابتهالات الدينية، الأدعية، القصائد الدينية، موسيقا الآذان، موسيقا ترتيل القرآن، الشعر الديني، وأخيراً الموسيقا الدينية الآلية البحتة.

وكان من المسلمين من "تطرف" بشدّة للموسيقا، واعتبرها من شروط تعلم الترتيل والتجويد. فالملا عثمان الموصلي رفض أن يُعلم بعض الطلاب قراءة القرآن إذا لم يجيدوا معرفة المقام العراقي قائلاً لهم: "إن قارئ القرآن الذي لا يعرف الأنغام والمقامات كالذي بيته في الصحراء دون بوصلة.".

كما أنّه عند بعض العقائد الميسحية في أوربّا وأمريكا، يُروّج الكثير منها لمبدأ تقديس موسيقا الطبيعة والأكوان والجسد الانساني، وهذا القديس (بيتر أوين جونز) ينتمي لواحدة من هذه الجماعات التي تُقدّس الطبيعة، يزور هذا القديس بلدان العالم كلّها تقريباً، ويدخلُ كلَّ أنواع دور العبادة بما فيها المساجد، وهو يُركّز دائماً على عقائد تقديس الطبيعة، مؤكداً أن النبات والماء والنجوم والأنهار والتراب والأحجار كلّها تتكلم وتتخاطب وتشعر وتحس، بل وتعزف الموسيقا حسب رأيه.

----

الكتاب: الموسيقى الدينية - جماليات التواصل والتعبير الموسيقي عند الشعوب

الكاتب: محمد المدني

الناشر: دار كنعان