منذ أن خصص الفراعنة الإله "بس" كإلهٍ متخصص بالضحك، منذ ذلك الحين من الدهر، ولا يزال السؤال: ما هي الكوميديا، وكيف نحكم على عملٍ ما أنه كوميدي أم لا؟

الباحث أسامة القفاش، وللإجابة على هذا التساؤل، يقدم كتاباً ينقب عن جذور فن الكوميديا عند شعوب الأرض، وعند الحضارات القديمة، والمستحدثة، وصولاً إلى السمات الخاصة بفن الكوميديا، وأنواعها، وعناصر الكتابة الجيدة، إضافة إلى عناصر الكتابة الدرامية بشكلٍ عام.

لكن قبل أن نعرف، إن كانت الشعوب العربية قد عرفت فن الكوميديا أم لا، فهل استطاع الباحثون تعريف الكوميديا؟ ذلك ما حاول العلماء إنجازه عبر العصور، تحديداً منذ الفراعنة الذين صنعوا إله الضحك "بس" ذلك القزم القميء، الذي كان إلهاً للضحك والمواقف الساخرة، والذي برأي الباحث "لا بد أن كتّاب كوميديا الموقف يحتفظون بتمثال له كتميمة"، وذلك لتخفيف الألم. وقد نظّر أرسطو للدراما في كتابه "فن الشعر" ولم ير الكوميديا إلا عبر التراجيديا، يعني كي نضحك لا بد أن يكون السبب غمّاً، حيث قال "إنّ الكوميديا والضحك نوعٌ من التطهير الذاتي، أي أننا نضحك من أنفسنا".

لكن هل استطاع العرب التطهر الذاتي هذا؟ أي هل عرفوا فن الكوميديا؟ يُذكّر الباحث، بـ"النعيمين" من بين صحابة الرسول، والذي كان محباً للهزل والسخرية، وعمل المقالب الطريفة التي كان الرسول يُعجب بها. كما سنجد عند العرب الكتابات الكثيرة التي تتكلم عن شخصيات ذات سمات كوميدية مثل كتاب البخلاء للجاحظ، وكتب الحمقى والمجانين، ونوادر أشعب الطفيلي، أو جحا ملك الحكمة والحمق في آن، إضافة لمقامات الهمذاني، والسؤال: هل هذا "الإرث" من الكتابات الساخرة، كافية لنقول عن الشعوب العربية، إنها من "الكائنات" الضاحكة، أم إنها من الكائنات المتجهمة؟

وبتخطيطٍ أولي ومُبسّط، يضع الباحث السمات التي تُميّز الكتابة الساخرة، ويعددها بـ "الخلط وعدم الانسجام" فالعنصر الغريب يصنع الكوميديا، وهذا ما نحصل عليه من خلال التخيّل، وإطلاق العنان للخيال والتداعي الطليق. ومن الميزات الأخرى عنصر "المفاجأة"، ذلك أنّ كلّ أنواع الكوميديا تحتوي على عنصر المفاجأة، بل هي عنصر أساسي في أنواعها كلّها. ثم هناك ميزة "الحقيقة" وهو ما يؤكده الكاتب الايرلندي جورج برنارد شو "عندما تضحك من شيءٍ ما، ابحث عن الحقيقة الكامنة فيه"، والنكتة التي تحتوي على خيطٍ من الحقيقة، وتدقُّ على وترٍ في نفس السامعين، هي نكتة ناجحة مئة بالمئة، فالحقيقة هي تلك الأشياء الصغيرة التي نستطيع أن نتذكرها، ونجدها في حياتنا.

من سمات الكتابة الكوميدية أيضاً، يراها الباحث في "العدوانية" والنكتة ذات الطبيعة العدوانية، تُمثّل أحد أعمدة المسلسلات الكوميدية، فهذه العدوانية تؤدي إلى توتر الموقف، وتجذب انتباه المشاهد، وتضيف كمّاً جديداً من الكوميديا للمشهد. ثم هناك "الإيجاز" وكلما قصرت حصلت على مردودٍ أكبر، تلك هي العناصر الخمسة التي حددها الباحث في فن الكتابة الكوميدية، ويلخصها بـ: "بناء التوتر، ثم زيادة التوتر، ومن ثم إطلاق التوتر في شكل الضحك".

كما يعدد القفاش سبعة أنواع من الكتابات الكوميدية، سنتوقف عند "كوميديا الموقف" باعتبارها أشهر أشكال الكوميدية، وأهم خصائصها، والضحك ينبع من الشخصيات الأساسية، والمواقف التي يدخلون أنفسهم فيها. وحيث كلّ حلقةٍ – تلفزيونية - مستقلة بذاتها، وثمة ممثلون ثابتون لأدوار الشخصيات الرئيسية، مع عددٍ محدود من أماكن التصوير، ويتم التسجيل بوجود الجمهور، وتكون البنية الدرامية للحلقات متشابهة ونابعة من خصال أساسية في الشخصيات.

يتحدث الكاتب أيضاً عن الكتابة الكوميدية للمسرح، باعتباره من أقدم أنواع الكتابة، وهي تمرين للكاتب على صياغة النكات اللفظية، وكتابة المواقف المتصلة المنفصلة في شكل اسكتشات ترتبط بالحبكة المسرحية، وفرصة لاستغلال الصمت، وحركة الممثلين للتعبير، وتجريب أشكال الكوميديا المختلفة مثل: الفارس، المسخرة، السلابستيك، والمحاكاة الساخرة. وهناك "كوميديا الشخصية"، وهي ذلك النوع من الكوميديا الذي يقوم فيه شخصٌ واحد، وعلى عاتقه يقوم العمل كله.

في بابين آخرين، يتناول الباحث في الأول "عناصر الكتابة الجيدة"، وفي الباب الثاني يتناول "عناصر الكتابة الدرامية"، ويُبيّن أنه لكتابة سيناريو العمل الفكاهي، لابدّ أن نعرف بعض الآليات التنظيمية، أي يجب وضع أفكارنا ووحدتنا وبنيتنا في شكلٍ منظم متفق ومتعارف عليه من قبل الجميع، هذا الشكل يعطينا جميع المعلومات المتعلقة بالجوار والمكان والشخصيات الداخلة في الحدث، ويعطي المخرج حريةً في تفسير هذه المعلومات بصرياً. هذا الشكل البصري في الأساس يؤدي إلى رؤية بصرية، ولذا يتمُّ تقسيمه إلى وحدات، تسمى المشهد، الذي ينقسم بدوره إلى وحدات تسمى اللقطات، ولكن يسبق شكل السيناريو عملية صياغة الحدوتة وتطورها، وهذه العملية لها شكل اسمه المعالجة الدرامية، وهناك شكلان لها، حسب الطريقة الأمريكية، أو حسب الطريقة الفرنسية.

يتساءل الكاتب: هل من الضروري أن يكون كاتب الكوميديا خفيف الظل قادراً على إطلاق النكات باستمرار؟ يجيب: ليس ضرورياً على الإطلاق، وفي نسق الكتابة الدرامية هناك من يتخصص في صياغات النكات، وتحويل الألفاظ الجادة بالتلاعب فيها إلى قنابل ضحك تنفجر باستمرار، وهذا الشخص ليس كاتب العمل الكوميدي، بل كاتب النكات اللفظية، أو النكات السريعة، والمهم في كاتب الكوميديا أن يكون منظمّاً، يعرف كيف يصنع البنية التي يتم توليد الكوميديا من خلالها. كاتب الكوميديا صيّاد، يقتنص الأفكار ذات الإمكانات الكوميدية العالية، فهو يصطاد المواقف التي تولد الكوميديا وتُفجّر الضحك، والبعض يُغالي، فيقول إن معظم كتاب الكوميديا ثقال الظل، ومرضى.

تتعدد النظريات والتفسيرات حول تطورات نظرية الضحك، لعلَّ أهمها، أنها تأتي كتطهير، حيث الضحك، هو إطلاق للطاقة النفسية المكبوتة الناجمة عن مواقف مؤلمة مررنا منها. والأكيد، هو أننا نحتاج للضحك كي نتجنب قسوة الحياة.

----

الكتاب: فن الكتابة الكوميدية

الكاتب: د. أسامة القفاش

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب