يعتقد العديد من الناس أن الهدف الأساسي من اصطحاب الأطفال إلى المتحف يكمن في المتعة التي يمكن لهؤلاء الأطفال أن يعيشوها خلال هذه الزيارة، إلا أن هناك اتجاهاً لدى الباحثين والمهتمين بالشأن التربوي نحو اعتبار زيارة المتحف بالنسبة إلى الطفل خبرة معاشة تقود إلى تعلم في مجال ما، إذ إنه ليس للتعلم حدود زمانية أو مكانية، ومن ثم يشكل المتحف بيئة تعليمية - تعلمية بالنسبة إلى زائريه بالغين كانوا أم أطفالاً. فالتعلم عبر المتحف ينتج من خلال احتكاك الطفل بموضوعات أو أشياء تشكل مصدر جذب له، ومن ثم فإن عملية تعلم الطفل في المتحف تبدأ مع بداية احتكاكه بالمعروضات المختلفة.

يمكن النظر إلى المتحف على أنه فضاء مفتوح للمعرفة، إذ يمكن للفرد وعبر طرقه ووسائله الخاصة في التعلم اكتساب المعارف والخبرات. هناك تكامل معرفي قيمي فيما يسمى الشجرة المعرفية الفردية، وهي تنمو وتترعرع عبر التواصل مع الفضاء المعرفي للمجتمع، المواقف التي يتعرض لها، منظومته القيمية والاعتراف الاجتماعي بكفاءاته.

المتحف عبارة عن مكان يحفز عملية التعلم لدى الطفل بطريقة الاكتشاف لاستثمار سمة الفضول إلى معرفة المزيد، التي يتمتع بها الطفل، فالطفل يرغب بمعرفة ما حوله من أشياء ومسمياتها وماهياتها، ومن ثم فإن التساؤلات التي تحرضها بيئة المتحف في ذهن الطفل تجعل من عملية تعلمه عملية بنائية، حيث يقوم الطفل ببناء معارفه وخبراته بشكل ذاتي عبر تجاربه مع المثيرات المختلفة التي يتيحها المتحف لزائريه.

إن الطفل لا يستطيع أن يقاوم اندفاعه لمتابعة حركة جسم ما أو مجريات تجربة مثيرة هو شاهد عليها ولا سيما إذا ارتبطت هذه التجربة بخبراته ومعارفه السابقة.

يستخدم واضعو كتب الأطفال أو الكتب المدرسية الصورة وسيلة إيضاح، وهذا الأمر لا يمكن لأحد إنكاره كأسلوب لإيصال المعنى، ولا يمكن الاقتصار على الصورة في بناء المعنى، فالمعنى هو نتيجة لسياق متكامل، وما الصورة إلا جزء من هذا السياق، ومن ثم فهي بمفردها ليست كافية لتوليده.

انطلاقاً من هذا الأمر يمكن اللجوء إلى المتحف كسياق متكامل بالنسبة إلى معروضاته، فهو يشكل بيئة تعليمية ــ تعلمية غنية بالنسبة إلى زائريه بشكل عام، والأطفال بشكل خاص.

ومن هذا المنطلق فإنه من الأهمية بمكان أن يمتلك القائمون على المتحف التعليمي أو متحف الطفل مهارات خاصة، وأن يستثمروا هذه المهارات أثناء تعاملهم مع زوار المتحف من الأطفال ومرافقيهم.

فالقائمون على المتحف يلعبون دور الموجه والدليل للأطفال الزائرين عبر استقبالهم وتعريفهم بالمتحف وأقسامه ومحتوياته، ومن ثم متابعة نشاطاتهم وإرشادهم ضمن المتحف، فمتحف الطفل والذي أصبح رائجاً في العالم يجب أن يحقق شروط البيئة التعليمية من خلال تهيئة المواقف التعليمية، وإعداد برامج الزيارات بالتعاون مع المهتمين بالشأن التربوي من باحثين ومعلمين وأولياء أمور.

إن تنظيم المتاحف يجب أن يتسم بالمرونة من خلال تعدد وسائل التواصل مع بيئته التعليمية، فهذا الطفل الزائر للمتحف هو كائن يمتلك خمس حواس، فلا يجب الاقتصار على حاسة واحدة أو اثنتين كالسمع والبصر فقط، وإنما يجب وضع عدة خيارات تسمح للطفل بالتواصل مع الموضوعات المختلفة بالطريقة التي تناسبه.

إضافة إلى أن التعاون والتشارك بين الأطفال في النشاط ضمن المتحف يسهم في تحريض الأطفال، فبيئة المتحف تسمح بتفعيل واستثمار حواس الطفل المختلفة سواء بملامسة الأشياء عبر تداولها يدوياً أو بتفعيل حواس أخرى؛ بصرية أو سمعية؛ الأمر الذي يساعد الأطفال على تركيز نشاطاتهم وإجراء عمليات فكرية تتجلى في طرح الأسئلة، ومحاولة الفهم، وإعطاء التفسيرات والشروحات للمظاهر التي يتابعونها.

وتزخر سورية بالعديد من المتاحف الملائمة للأطفال التي تسهم بالإضافة للجانب الترفيهي والمتعة التي سيجدها الطفل فيه أن تحقق الفائدة المعرفية ومنها المتحف البيئي (الحديقة البيئة)، المختبر الافتراضي، متحف العلوم، المتاحف الأثرية وغيرها، وعلى مستوى الوطن العربي يعد متحف الأطفال في القاهرة من المتاحف التي تقدم تجربة غنية وفريدة للطفل في مختلف المجالات، وكذلك متحف الأطفال في الأردن والذي يوفر تجارب معرفية وبيئة للتعلم التفاعلي، ومتحف الأطفال في مسقط.

يمكن تشبيه جو التعاون بين الأطفال عندما يلعبون سواء أكان ذلك داخل المتحف أو خارجه إلى حد ما بالعمل المسرحي، حيث يلعب الأطفال أدوارهم بطريقة ما إما عبر تلقي الدعم والمساعدة من نظرائهم أو من البالغين وإما باعتمادهم على قدراتهم الفردية، وغالباً ما يتحمسون لمواجهة الأدوار الأكثر صعوبة أو أدوار البطولة ضمن المجموعة، إضافة إلى اكتشاف قدراتهم ومواهبهم، وإلى إثارة الخيال العلمي لديهم.

من الواضح أن بيئة المتحف قد حرضت لدى الطفل عمليات فكرية ربطاً بمكامن معرفية موجودة سابقاً في ذهنه. ولمعارف المتعلم السابقة أهمية خاصة في التعلم عبر المتحف، ومن ثم وللحصول على منظومة تعليمية، تعلمية متكاملة، فإن من الضروري الربط والمواءمة ما بين زيارة المتحف والسياق العائلي وكذلك السياق المدرسي.

----

الكتاب: متحف الطفل ومكتبته

الكاتب: هيثم محمود - محمد شيخو

الناشر: منشورات جامعة دمشق