بدأ الاهتمام بدراسة اللغة الأكادية منذ اكتشاف الألواح المسمارية بشكلٍ واضح وأكيد بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وسُميت حينذاك "اللغة الأشورية" لأنّ تلك الألواح اكتشفت في مواقع ومدن آشورية في شمالي بلاد العراق. لكن تبيّن بعد عدّة عقود من السنين، وبعد اكتشاف آلاف الألواح من المسمارية، أنّ اللغة الأكادية سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى مدينة أكاد عاصمة الدولة التي سُميت نسبة إليها (الدولة الأكادية) التي اتخذها شاروكين نحو 2350 ق.م عاصمةً لدولته.

وبرأي الدكتور عيد مرعي، أنّ الآشورية والبابلية ما هما إلا لهجتان متفرعتان من لغةٍ أم هي الأكادية. هذه الأكادية التي "يشطح" الباحث إلى درجة تأكيدها: "إنّ اللغة الأكادية هي العربية الأولى التي نطق بها سكّان المشرق العربي القديم". هكذا يقول بالحرف في كتابه "اللغة الأكادية – تاريخها وصلتها بالعربية وقواعدها وألفاظها المشتركة مع العربية ولغات المشرق العربي القديم"، وكان الأجدى به أن يقول إن العربية هي ما انتهت إليه تلك اللغات القديمة، التي تؤكدها آلاف المفردات التي جاءت إليها من تطور الآرامية آخر أقرب تلك اللغات تاريخيّاً إلى عربية اليوم.

وأما حجة الدكتور عيد فيما وصل إليه، فهو التطابق الواضح بين الكثير من المفردات في اللغتين، إضافةً إلى التشابه في القواعد والنحو وحالات الإعراب، وهو برأيه أمرٌ لا يمكن أن يكون مصادفة، ولا يمكن أن يستمر طيلة قرون خلال الزمن الفاصل بين ظهور الأكادية والعربية والممتد من بداية الألف الثالث قبل الميلاد إلى القرون الميلادية الأولى، ولو لم تكن هناك أصول مشتركة للغتين. غير أن ما تجاهله الباحث هي حكاية تطور اللغات، وأن زمن الأكادية الذي يُشير إليه، هو سابق لكل عربٍ وعربية، هي –الأخيرة - في عمر الزمن حديثة نسبيّاً، وما العربية سوى أحدث لهجات الآرامية التي كانت الأخيرة للهجة متطورة عما سبقها وهكذا. ومن ثمّ كان الأولى الحديث عن مسار تطوري للغة بدل المقارنة بين لغتين، والتي ليست العربية إلا تطوراً عما سبقها من لغات، وما يؤكد ذلك حجة الدكتور عيد نفسها فيما ذهب لإثباته من خلالها.

وفي الحديث عن الأكاديين ودولتهم؛ يذكر الباحث عيد: نشأت الدولة الأكادية – نسبةً إلى عاصمتها التي لم يُكتشف وجودها إلى اليوم - في القسم الجنوبي من منطقة بلاد الرافدين – العراق القديم، وسمّاها الإغريق (ميزوبوتامبا) والتي تمتدُّ من جنوب شرقي الأناضول وجبال طوروس في الشمال إلى البحر الأدنى – الخليج العربي في الجنوب، ومن بادية الشام في الغرب إلى سفوح جبال زاغروس في الشرق. وقد عاش الأكاديون قروناً طويلة من الزمن، ربما من عصور ما قبل التاريخ في جنوبي بلاد الرافدين قبل أن يصبحوا قوةً ذات شأن، ويؤسسوا دولةً لهم على يد شاروكين الذي يعني اسمه الملك الحقيقي، أو الملك الشرعي، والصيغة الأكثر تداولاً هي "صارغون"، وذلك في منتصف القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، ورغم سقوط الدولة الأكادية، غير أنها برأي الباحث بقيت حيّة في لغتها التي استمر استخدامها في العصور التالية حتى إلى ما بعد سقوط بابل على يد الفرس الأخمينيين في عام 539 ق.م.

من هنا فإنّ اللغة الأكادية هي أقدم لغات عالم المشرق القديم – الباحث يطلق عليه المشرق العربي القديم هكذا بالحرف – وأغناها بالمفردات، وأقدم الأدلة على وجودها هي أسماء الكثير من ملوك وحكّام المدن السومرية في عصر السلالات السومرية الباكر (3000 – 2350 ق.م)، الذين كانوا يحملون أسماء أكادية، حيث يبدأ ظهور نصوص أكادية كاملة بدءاً من 2500 ق.م مكتوبة بهذه اللغة، وكانت قد بلغت درجة كبيرة من الأهمية حتى قبل تأسيس المملكة الأكادية، فالملك السومري (لوجال زاغيري 2375 – 2350ق.م) ملك مدينة (أوما) وحّد جميع المدن السومرية في دولةٍ واحدة آواخر عصر السلالات السومرية الباكر، حيث أمر بنقش نص له باللغة الأكادية على تمثاله ادعى فيه أن الإله إنليل كبير الآلهة السومرية أعطاه جميع البلاد الواقعة بين البحر الأعلى – المتوسط، والبحر الأدنى – الخليج العربي، وبعد ذلك دخلت اللغة الأكادية مرحلة جديدة من التطور والانتشار مع قيام الأمبراطورية الأكادية التي ضمت كلَّ بلاد الرافدين وشمالي سورية وبلاد عيلام وأجزاء واسعة من هضبة الأناضول خلال الزمن الممتد من 2350 – 2159ق.م وقد تولى عرشها ملوك عظام من أمثال شاروكين المؤسس وولديه ريموش ومانيشتوشو، وحفيده نارام سين الذي أوصل الأمبراطورية إلى أقصى اتساع لها.

وفي قواعد هذه اللغة يذكر الباحث: الاسم هو ما يدل على إنسان أو حيوان، أو نبات أو جماد، أو أي شيء غير مقترن بالزمان والمكان، وهو في اللغة الأكادية كما في العربية نوعان جامدٌ ومشتق، وكما في العربية أيضاً ينقسم الاسم في الأكادية من حيث الجنس إلى نوعين مذكر ومؤنث، ولا يوجد محايد كما في اللغات الأوروبية الحديثة. كما تعرف اللغة الأكادية ثلاث حالات لإعراب الاسم المفرد هي: حالة الاسم المجرد – غير المضاف، وحالة الاسم المضاف – المركّب الإضافي، وحالة الاسم المطلق. وغيرها الكثير من الحالات الإعرابية المشتركة، كما أن هناك الكثير من الكلمات المشتركة بين اللغتين من مثل (هلك) في العربية التي يُقابلها (ألاكو) في الأكادية، حيث تعني الأولى الموت، فيما تعني الثانية الذهاب والمغادرة. يُعدد د. مرعي مئات الكلمات العربية التي يُقابلها أو يُشبهها بالأكادية، ونحن نقول إن المسألة ليست أكثر من تطور مفردة من ذات اللغة حيث العربية من مئة سنة على سبيل المثال تختلف كثراً عن العربية اليوم، حيث تطورت المفردات على مدى الوقت، وهو ما نشير إليه اليوم في تناغم اللهجات السورية – العربية التي كانت مختلفة ومتعددة حتى وقتٍ قريب، وتظورت إلى ما نسميه اليوم بـ (اللهجة البيضاء)، وغيرها الكثير من الأمثلة.

----

الكتاب: اللغة الكادية

الكاتب: د. عيد سعيد مرعي

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب