لاقت فكرة المشروعات الصغيرة وتمويلها رواجاً ونجاحاً كبيرين على مستوى العالم؛ حيث أصبح تمويل مثل هذه المشاريع من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية المنتشرة في المجتمعات. وفي سورية وبعد فترة الحرب ظهرت الحاجة الماسة لهذا التوجه بهدف الحد من انتشار ظاهرة البطالة وتحسين المستوى المعيشي للمستفيدين وتحقيق التنمية المستدامة.
هذا ما يتحدث عنه الباحث ماجد علي حسن ماجستير التنمية الإقليمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية في دراسة بحثية حملت عنوان "دور المشاريع الصغيرة في دعم الاقتصاد السوري" متخذاً من محافظة ريف دمشق مكاناً وزماناً لدراسته التي عمل عليها بإشراف الدكتورة نسرين السلامة.
من الإشكالية إلى الأهمية
ثلاثة أهداف قد لا تكون جديدة لا من حيث الطرح أو من حيث التداول، ولكنها تحمل دراسة حالة لمنطقة معينة والتركيز على "محافظة ريف دمشق". يتحدث هذا البحث عن أهمية المشاريع الصغيرة في عملية التنمية الاقتصادية؛ حيث يتمثل دورها في تخفيض معدلات البطالة، وتسهم في رفع معدل دخل الفرد، ولها دور في انخفاض معدلات التضخم العالية. وذلك ضمن جملة من التساؤلات وخاصة أن هناك معدلات تضخم عالية لم يسبق لها أي مثيل. ونتيجة لذلك أصبح هناك شح في فرص العمل مترافقاً مع ضعف في دخل الفرد والذي يتمثل في إنفاق الفرد أكثر بكثير مما يجني.
وعليه فإن أهداف البحث تتمثل في دراسة واقع المشاريع الصغيرة في توفير فرص عمل لائقة ودورها في تعزيز الاقتصاد السوري ومعرفة نقاط القوة والضعف للمشاريع فيها. وتكمن أهمية هذا البحث بدراسة الجانب البشري والاقتصادي على حد سواء والمتغيرات الحاصلة في كلا الجانبين، ويتناول هذا البحث أهمية المشاريع الصغيرة على المستوى المحلي ومن ثم الإقليمي، والحدود المكانية دراسة حالة في محافظة ريف دمشق والتي تبلغ مساحتها 18.018 ألف كم2، بينما الحدود الزمانية لهذا البحث فهي من 2024 حتى عام 2035.
لماذا صغيرة؟
ما هي خصائص المشاريع الصغيرة وما هي أنواعها؟ وفقاً لوجهة نظر الباحث فإن أهم ما يميزها سهولة تأسيسها وانخفاض قيمة رأس المال المطلوب للاستثمار فيها. وتعتبر المشاريع الصغيرة مركز تدريب ذاتي وسهولة اتخاذ القرارات الإدارية لأن مالك المشروع هو مديره. وتعمل هذه المشاريع كوسيلة لانتشار التوطن الصناعي جغرافياً، وذلك كنتيجة لصغر حجم تلك المشاريع. وعليه نجد أن أهم الأنواع هي المشاريع الخدمية مثل المواصلات، المكتبات، خدمات التنظيف، المشاريع الإنتاجية مثل الصناعات اليدوية، الصناعات الغذائية، وغيرها، ومشاريع تجارية تعتمد على الشراء والبيع وتوزيع السلع من أجل تحقيق الربح. ولعل هذا هو السبب المباشر لتسميتها بالصغيرة.
ويبين الدكتور حسن أن المعوقات والمشكلات التي تواجه المشاريع الصغيرة تتمثل في كلفة رأس المال والتضخم والتمويل والإجراءات الحكومية والضرائب المنافسة والتسويق. في حين أن دور هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة مهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري في مرحلة إعادة الإعمار من حيث قدرتها على المشاركة في تحقيق معدلات نمو اقتصادي ورفع الطاقة المتاحة للصادرات السورية وتأمين المزيد من القطع الأجنبي من خلال تصدير منتجات هذه المشروعات مباشرة. إضافة إلى قدرتها على التشبيك القطاعي والإقليمي.
نظرية التبادل الاجتماعي
تطبيق نظرية التبادل الاجتماعي على واقع المشاريع الصغيرة وتعد هذه النظرية جزءاً من النظرية التفاعلية طالما أنها تنظر إلى طبيعة التفاعل الاجتماعي المتبادل بين الأفراد والجماعات والمؤسسات والمجتمعات. أبرز رواد نظرية التبادل الاجتماعي هم (كيلي وثيبوت وجورج هومنز وبيتر بلاو) وتؤمن النظرية التبادلية بأن الحياة الاجتماعية ما هي إلا عملية تفاعلية تبادلية.
وبتطبيق هذه النظرية على موضوع المشاريع الصغيرة يجد الباحث ماجد علي حسن: أن الشبكات الاجتماعية هي أهم العوامل في استمرار ونجاح المشاريع الصغيرة والتي تؤثر العلاقات الاجتماعية وفي توفير الدعم والموارد المالية لأصحاب هذه المشاريع من خلال التعامل مع الموردين وتبادل السلع بين الأفراد، وبين أصحاب المشاريع الصغيرة والمستهلكين وكذلك الدعم الاجتماعي الذي يؤثر في المجتمع والعائلة والأصدقاء في تحفيز أصحاب المشاريع الصغيرة وتوجيه طاقاتهم من أجل المساهمة في نجاح المشروع واستمراره.
الواقع كما هو
تناول الباحث واقع المشروعات الصغيرة في محافظة ريف دمشق، وتبين له أن التمويل في هذه المحافظة من أهم المشكلات التي تعيق إحداث أي مشروع صغير وذلك بسبب عدم توفر الضمان الكافي لتوافر الشروط من أجل منح القروض والذي هو الركيزة الأساسية لتأسيس أي مشروع صغير. إضافة إلى مشكلات تتعلق بالإجراءات الإدارية التي تواجه المشروعات في محافظة الريف، وصعوبة الحصول على التراخيص الإدارية نتيجة الإجراءات القانونية التي تأخذ مدة زمنية طويلة.
وأشار في بحثه إلى موضوع كفاءة الأفراد التي تعد ضعيفة وذلك بسبب كون مالك المشروع هو ذاته الذي يكون مديراً له، ويؤدي ضعف الكفاءة من تخوف بعض المصارف من التمويل. كما أن التنافس مع المشاريع الأخرى عند افتتاح أي مشروع صغير يكون الطابع التسويقي له ضعيفاً، وذلك بسبب سيطرة المشاريع المتوسطة والكبيرة على الأسواق حيث إنها تلبي احتياجات الأفراد ضعف ما تلبيه المشاريع الصغيرة
ضعف التنافسية
توصل الباحث إلى عدة نقاط من القوة والضعف في وقت واحد وبين أن هناك ضعفاً في التنافسية أمام الانفتاح على الأسواق الخارجية من ناحية أعباء التكاليف وأساليب الترويج وأن امتلاك ميزات المشاريع الصغيرة والمتوسطة من ناحية المرونة والابتكار وخفض التكاليف وارتفاع الإنتاجية هي نقطة قوة. أما فيما يتعلق بنقاط الضعف فهي: الوضع الاستثماري غير المستقر نتيجة الوضع الأمني، وصعوبة تأمين المواد الأولية واليد العاملة، وزيادة نسب المخاطرة المستقبلية.
وعليه كانت أبرز النتائج التي تحدث عنها البحث هي أن المشاريع الصغيرة توفر فرص عمل لائقة وواسعة بشتى أنواعها وتخفض معدلات البطالة، وتحفز الإبداع والتميز في كافة المجالات والاستقلالية المادية للفرد. تسهم المشاريع الصغيرة في رفع معدل دخل الفرد السنوي وتمارس دوراً داعماً بإعادة إعمار المناطق المتضررة. وهناك رؤية مستقبلة للمشاريع الصغيرة تتمثل في دعم الخطط الإقليمية والوطنية، وهي تسهم في تعزيز الاقتصاد السوري مستقبلاً. فكانت التوصيات تتعلق بضرورة دعم هذه المشاريع والتسهيلات القانونية من أجل سهولة افتتاحها، مع ضرورة تدريب الأفراد قبل افتتاح أي مشروع صغير لتحسين كفاءة إدارته، وأن تقام هذه المشاريع في أماكن مختلفة تخضع للتوازن والتوزيع الطبيعي.