تأتي نصوص محمد سعيد حسين التي تركها نصوصاً وحسب دون أن يسعى لتجنيسها، أو وضعها على خانة إحدى الأنواع الأدبية التي درجت العادة أن تُصنف النصوص بهويتها، وإنما نعت تلك النصوص بـ "الساخرة"، حيث جمعها وأصدرها في كتابه "كسر مُتبدل".
وبصدور "كسر مُتبدل" يكون رصيد محمد سعيد حسين ثلاثة كتب، كلّ كتاب من جنسٍ إبداعيّ مُختلف. فهو في كل ما نشر إلى اليوم لم يستقر خلالها على نوعٍ إبداعي واحد، وإنما كان ينوّع في كل مرة باتجاه إبداع جديد يُخالفُ فيه نتاجه السابق.
فأوّل ما أصدر حسين؛ كان "مُكاشفات زهرة الدفلى" وهي مجموعة قصصية، ورغم ذلك، اتسمت تلك المجموعة بالشعرية العالية، أو قل كان ثمة حكائية شفيفة على خلفية أو فضاء شعري، وبعد ذلك بعددٍ من السنين، يُصدر الكاتب مجموعته الثانية "كأني تنبّأتُ هذا الوصول" سنة 2016، وفي هذه المرة كانت مجموعة شعرية، ومع ذلك هي ليست شعرية خالصة، وإنما قلب الإيقاع السابق في المجموعة الأولى بأنه سرد شعراً على خلفية حكائية لافتة في "أحداثها" وأخبارها.
في "كسر مُتبدل" يكاد يجمع بين دفتيها كل ما تقدّم من قصص وشعر في نصّ يتمرد على التجنيس، ويضيف إليه ما تيسر له من فنون الخاطرة والبحث والمقالة والعمود الصحفي مع حرص أن يتسم كل ذلك بمعطفٍ ساخر حيناً، وطوراً يأتي مُتهكماً، وفي مرات تأتي النصوص بكامل لياقتها الكربلائية. وإذا ما بدأنا المجموعة من عتبتها الأولى، أي العنوان، فالكاتب هنا ومنذ البداية يُدخلنا في الوجع "كسر مُتبدل" عندما يستعير من مُصطلح طبي مرضي ليكون بوابة دخول لما ضمتّه المجموعة بين دفتيها. هذا الكسر الذي يُصيب المرء نتيجة "حادثٍ ما" وهو من أصعب الكسور التي تُصيب عظام الإنسان. هذا المخزون من الرموز والإحالات التي تكمن في هذا المصطلح ستتضاعف إلى تأويلات كثيرة عندما تذهب صوب المجاز الذي سيحوله الأديب لخدمة أغراضه وشواغله الفكرية والجمالية. هنا الكسر لن يبقى من نصيب العظام وحدها على ألمها المُبرح، بل سيزيد جرعات الألم عندما تحلّ تلك الكسور في القلب والخاطر والوجدان. ويزيد العنوان حمى والتهابات حادة تلك الصورة المرفقة للعنوان وهذا الاقتصاد باللون الذي يميل للترابي والرماديات والاقتصاد في كتل لوحة فنان الكاركاتير عصام حسن صاحب اللوحة التي هي عبارة عن كوفية باهتة مسنودة على العراء والعدم التي تفتح بدورها على مآلات التأويل ووسع التخييل.
نصوص "كسر مُتبدل" تشتبك منذ أولى مقالاتها بالهموم والشواغل اليومية لناس القاع، وفي النص قد يذهب محمد سعيد حسين طويلاً بالسرد حتى يقذف بفاعليته الجمالية التي هي "دفقة السخرية" بمعنى ليس كل النص يلبس معطف السخرية، ربما في بعض الجيوب أو الزوايا تماماً كبعض الألوان المُفارقة التي تكون في ثوب طويل، غير أنّ كامل السخرية سيدفقها في نهاية النص تماماً كمن يدلق بوجهك دلو ماءٍ بارد وأنت في عزّ نومك. المقولة الساخرة يتركها حسين ككمين أو مُفاجأة لا تخطر على بال ليقولها دفعة واحدة ويجعلك "تفقع" تلك الضحكة المُجلجلة، وكان لزمن قد أدخلك في مناخ من المناحة والولولة.
يسرد محمد سعيد حسين كل ذلك بأكثر من إيقاع في اللغة ينوس بين حميمية العامية وجمالياتها وبين فصاحة تقترب من الجزالة، فيما شواغل النصوص تنوعت هي الأخرى من عاشق مكسور الخاطر إلى امرئٍ مكسور الوطن.
"يا صوت موسيقا الحلم،
يا كتاب رصد ونوى ونهوند وهزامي؛
خلّ العجم ينفخ عَ روح الباب،
وتشرق شمس من ضو أحلامي،
ونتوسل بروح الصّبا،
وغياب البيات بليلنا الدامي؛
ترجع سوريّا، ويرجعوا الغياب،
ونعزف سوا لحن الفرح شامي".
----