إنها لمفارقة أن يرتبط مرض الزهايمر بارتفاع متوسط عمر الإنسان، ذلك أنه يمكن القول إن الإنسان في العصور القديمة، حين كان عمر الرجل أو المرأة يتراوح بين الأربعين والسادسة والأربعين، وكان هذا المرض في عالم الغياب، لكن حين ارتفع متوسط العمر ارتفعت نسبة حدوث المرض إلى 11 بالمئة بالنسبة إلى عمر الخامسة والستين و15 بالمئة إلى عمر الثمانين، فالعمر هو عامل الخطورة الأساسي لهذا المرض من حيث تبديه العام..

في كتاب "تابو اسمه الزهايمر" لهوغويت دريرا وباتريس بروكر، يشير المؤلفان إلى أن الطبيب النفسي الألماني "كريبلان" هو الذي سمى هذا الشكل من الخلل "مرضاً بوصفه الزهايمر" وأصبح معروفاً بهذا التوصيف أواخر القرن الماضي.

والزهايمر بالتعريف الطبي، كما جاء في الكتاب، هو الذي "يصيب مناطق الدماغ المسؤولة عن مراقبة التفكير والذاكرة واللغة بشكل عام. ويعود هذا الخلل إلى الموت البطيء لبعض الخلايا الدماغية التي لا يمكن تعويضها. لكن هذه الاضطرابات لا تحصل كلها في وقت واحد، ولا ضمن نظام محدد، ولا بطريقة انتظامية. ويضاف إلى ذلك أنها تختلف بين مريض وآخر".

ويحدد الباحثان عشر علامات تقرع جرس الإنذار كدلالة على الزهايمر، أو بدايته، تستوجب استشارة طبيب من أجل القيام بفحص كامل في حال ملاحظة بعض هذه العلامات أو إحداها عن الإنسان:

ظهور حديث لفقدان الذاكرة الذي يمكن أن يعيق العمل المهني أو أمور الحياة اليومية.

صعوبات إتمام الأعمال المنزلية كأن ننسى أننا أعددنا شيئاً ونسينا تقديمه.

اضطرابات في الكلام مثل نسيان كلمة بسيطة أو استخدام كلمات لا معنى لها.

اضطراب في معرفة الزمان والمكان ونعني الضياع في الشارع الذي نسكن فيه على سبيل المثال.

اضطرابات في الأحكام كنسيان الطفل الذي كنا نرعاه عادة.

صعوبات في حل مسائل مجردة حيث يفتقد الفرد القدرة على التعامل مع بعض الأوراق التي يتعامل معها عادة.

الأغراض الضائعة حيث توضع في غير الأماكن المخصصة لها أو المعتادة.

تغير في المزاج والسلوك كالانتقال من الفرح المفرط إلى البكاء الشديد.

تغيرات واضحة في الشخصية يلمسها المقربون.

فقدان روح المبادرة كالبقاء في حالة خمول لفترة طويلة وعدم الرغبة بالتحرك أو الاهتمام.

ويكمن جانب من صعوبة التعامل الدقيق من أن أسباب الزهايمر غير معروفة، وتنحصر هذه "المعرفة" بفرضيات ترتبط بضمور في الدماغ وضعف في الألياف العصبية والصفائح بسبب الشيخوخة. وهذه الفرضيات تبدأ بالفرضية الوراثية، وفرضيات تعود إلى ارتفاع درجة الحرارة، وفرضيات مناعية أو سمية.

وتمر أعراض الزهايمر بأطوار ثلاثة يكون الأول منها الأكثر غموضاً وقد يشخص بطريقة خاطئة لدى الأشخاص المتقدمين بالعمر. والطور الثاني يوصف بالمعتدل لأن الاضطرابات تصبح أكثر وضوحاً وأكثر إزعاجاً. ومن ثم الطور الحاد حيث تزداد خطورة المرض ويتميز بفقدان شامل للقدرة تقريباً لدى المريض حيث تزداد اضطرابات الذاكرة بالتدريج، ويبدأ الضعف الجسدي في الظهور، ويصبح المرض واضحاً بصورة كاملة.

ويؤكد الباحثان أن هذا المرض: "يصيب فئات المجتمع كلها، وأنه ليس مرتبطاً بالجنس، ولا بالانتماء العرقي، ولا بالمكان الجغرافي".

إن خصوصية مرض الزهايمر، وأعراضه، يجب ألا تنسينا، كما يؤكد الباحثان، أن المريض "يبقى كائناً بشرياً له سماته الخاصة ويجب أن يعامل على هذا الأساس، حتى وإن كانت عاطفته تتراجع فإنها تبقى وتجعل حياته أكثر صعوبة". ومن هنا يترتب على مرافقة مريض الزهايمر مسؤوليات مضاعفة تحتاج إلى إدراك العديد من الأمور المتعلقة بالمرض والمريض ومما تعنيه: "معرفة صعوباته التواصلية، والبحث عن وسائل أخرى للتواصل غير الكلام، مع أخذ قلقه من الموت بالحسبان. إن تحمل مسؤولية تبعية مرض الزهايمر معركة دائمة، وفعل مرافقة وحب كبير. ومما لا شك فيه أنها ليست المعركة الأخيرة ولكنها مهمة جداً".

وفي سياق القيام بهذه المهمة الكبيرة والجليلة من الضروري "العثور على حلول فردية مناسبة لكل موقف من المواقف" ما يؤكد واقعياً على ضرورة تحلي المرافق بالمرونة والقدرة على الاستجابة المناسبة الأمر الذي يحتم عليه التمتع بشيء من المعرفة والإحاطة بأمور عديدة في هذا المجال، ولذلك تصبح "الإرادة الطيبة والخيال والكثير من الانتباه والحب كلمات أساسية إذا كنا نريد الحصول على حلول، مع قليل من المساعدة التقنية عبر الأدوية".

ولأن هذه المرافقة مسؤولية كبيرة، أشبه بمعركة دائمة وحقيقية، قد يضطر المرافق إلى خوضها لسنوات، فهي تحتاج إلى فعل الحب "إنه فعل حب رائع، وهو الأخير بالتأكيد قبل أن يتركك المريض جسدياً. وهو بالتأكيد فعل الحب الأهم الذي تقوم به عبر التضحية حتى النهاية".

هذا الكتاب الذي يقدم إحاطة واسعة جداً بأعراض مرض الزهايمر وأطواره وأحوال المريض واحتياجاته، قدم له المؤلفان بكلمات تتسم برؤية عميقة وغاية نبيلة: "فهو سيريحك ويساعدك في العيش بشكل أفضل مع الآخر، لأنه يتوجه إلى قلبك بصورة أساسية. سيسمح لك بالاستمرار في محبة الآخر والرضا بفقدانه، والخروج من هذه المحنة الكبيرة، وبأن تكون أكثر قرباً من الآخرين".

----

الكتاب: تابو اسمه الزهايمر

الكاتب: هوغويت دريرا وباتريس بروكر

ترجمة: د. غسان بديع السيد

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق