ينتمي الأديب السوري سامي الدروبي (1921-1976) إلى طائفة الأدباء السوريين الدبلوماسيين، الذين قدموا سورية الجميلة في مختلف العواصم الدولية التي كانوا فيها سفراء لها، هذا السلك الذي عرف غير مبدع سوري كالشاعرين عمر أبو ريشة ونزار قباني وغيرهما.
سامي الدروبي أديب وناقد ومترجم ودبلوماسي، أكثر ما اشتهر بترجماته لأهم الإبداعات لكتّاب روسيا، رغم أنه نقلها للعربية من لغةٍ ثالثة، وهي الفرنسية، فقد اشتهر الدروبي بترجمته لجميع أعمال دوستويفسكي التي قال عنها أحمد بهاء الدين: "أحبُّ أن أكتب عن مشروع الأعمال الكاملة لدوستويفسكي بأنها أحسن ما قرأت؛ لأنّ المُترجم يملك ناصية الفرنسية والعربية، وهو يترجمُ ترجمةً علمية مدروسة". كما له ترجمات لمؤلفين آخرين وغيرهم.
أما مناسبة الحديث عن ترجمات الدكتور سامي الدروبي؛ فهو كتاب "سامي الدروبي" الذي أعدتّه بُثينة الخيّر لليافعة، الذي يتناول الحياة الإنسانية والفكرية، لأحد رجالات سورية، وهو وإن وزع نشاطه الفكري بغير مجالٍ إبداعي، إلا أنه عُرف كمترجم نقل للعربية إبداعات كثيرة في مختلف أنواع الإبداع.
لقد أتاح له إتقانه الفرنسية، الاشتغال الواسع في عالم الفكر والفلسفة، وتحقيق حلمه في أن يُقدّم للغة العربية فلسفة الجمال؛ أي تذوّق الجمال في الأدب والفن والحياة، فترجم كتاب "دراسات فلسفة الجمال" بالاشتراك مع صديقيه عبد الله عبد الدايم، وبديع الكسم.
ورأى في مُقارنة أجراها بين كاتبين؛ دوستويفسكي الروسي، ونيتشه الألماني: "أنّ الحقيقة التي اكتشفها الاثنان؛ هي أنّ في الإنسان شوقاً لتجاوز ذاته وتحقيق هدفه؛ إلا أنّ دوستويفسكي يرى في هذا التجاوز ينبوعاً للعذاب والآلام، ونيتشه يرى فيه مصدراً للخلق والإبداع". أما الدروبي فقد جمع بين الرأيين، واتخذ من الألم طريقاً إلى الإبداع، فتجاوزت ترجماته السبعين كتاباً؛ مُجدداً بذلك دماء الفكر العربي. وكان مُترجماً مُحترفاً لا يكتب بأسلوب الكاتب، بل ينقل خصائص أسلوبه الأصلي. فقد جعل من الترجمة علماً وفناً، يطلع عليه من لا يتقنُ لغةً أجنبية، وجعل لها منهجاً واضحاً في الفكر والأدب.
اختار الدروبي ميدان الترجمة عن رؤية مستقبلية، وكان يصعبُ عليه ألا تكون هذه الكنوز في متناول القارئ العربي، ولم يملّ؛ فترجم العديد ممّا يُعدّ من التراث العالمي سواء في الفلسفة أو في الأدب، والعديد من الأعمال الفنية والفكرية، كما ترجم ثلاثية الأديب الجزائري محمد ديب "البيت والحريق والنول" فحقق للكاتب الجزائري ما أراد أن يكتبه لو امتلك اللغة العربية بعد أن حرمه المُستعمر الفرنسي لغته الأصلية.
ومن ترجماته التي كان لها صدى واسع في تلك الفترة رواية "جسر على نهر درينا" للكاتب اليوغسلافي "إيفو أندريش" ولم يكن معروفاً في العالم العربي، وتأتي أهميتها من رصدها لمرحلةٍ تاريخية تعود إلى الفترة الممتدة بين (1571 وحتى 1914م) وهي الفترة التي كان فيها العالم العربي يُعاني من الاحتلال العثماني. تتناول حوادث الرواية تاريخ دول البلقان في أثناء تبعيتها للإمبراطورية العثمانية، حيث بُني الجسرُ ليربط بين أطراف الإمبراطورية، ويثبت دعائمها، وكان الباشوات والآغوات يحكمون هذه النواحي باسم السلاطين؛ إنه عالم الإنكشارية وضريبة الدم، وفيها نقل الكاتب صورةً عن العالم البلقاني الغريب المكوّن من الكثير من القوميات التي كانت مجهولة حينذاك. كما نقل إلينا صورةً عن آلام الشعب البلقاني ومعاناته من أوّل لحظات بناء الجسر، وما تعرّض له هذا الشعب من عنف العثمانيين وشراستهم، واستعراض ما ارتكبوه من جرائم ومجازر بحق الناس هناك، وكيف صار الجسر مجلساً لأهل المدينة؛ فشهد انحسار العثمانيين، وقصص حبّ، وقصص لقاءٍ وفراق ومآس ومجازر. أتراه كان يهدف إلى إبراز وحدة معاناة الشعوب من المحتل العثماني، وتأكيد التواصل بين حركات تحررها – تتساءل مُعدّة الكتاب- والمصادفة أنه بعد مضي أشهر على ترجمة الرواية يُمنح كاتب "جسر على نهر درينا" جائزة نوبل للسلام.
ومن قصص الدروبي المترجمة "الموسيقي الأعمى" للكاتب فلاديمير كورانكو التي قيل فيها: إنها رواية أصوات الطبيعة، زقزقة العصافير وجدول الماء، صوت الناي والبيانو. وتدور أحداثها حول مأساة تلك الأم التي وضعت وليدها، وصرخت: الطفل لا يرى. هكذا صرخت، ثم رضخت للأمر الواقع، لتحيط ابنها بالحب والرعاية. غير أن كل تلك العواطف لم تستطع أن تنقذ الصغير من العتمة التي كان يشعر بها لفقدانه نعمة البصر، إذ كانت النوبات العصبية تزوره بين حين وآخر إلى أن أوجد لحياته معنى، فسعى إليها، ونجح في التقاط الأصوات والعزف وطريق الوصول إلى السعادة، وهو الهدف الذي يرمي إليه الكاتب، ويرى أن يوجد الإنسان لحياته معنى، فهو أمرٌ ضروري للإنسان كما التحليق للطيور. وهي القصة التي اعتمدتها وزارة التربية في منهاج الصف التاسع في زمنٍ ما. كما تبنت السينما العربية رواية "الإخوة الأعداء". ومن ترجماته نذكر أيضاً: "الجمال في فلسفة الفن"، تأليف بينيديتو كروتشه، و"منبعا الأخلاق والدين"، تأليف هنري برغسون، وفي علم النفس: "سيكولوجية المرأة"، تأليف ج. هيمانس، وفي الأدب: "وقائع مدينة ترافنك" تأليف إيفو آندريش، و"بطل من هذا الزمان"، تأليف ماشادو دي أسيس. وتذكر الكاتبة الخيّر أنه عندما قلده الرئيس اليوغسلافي وساماً قال له:"إني أقلدك هذا الوسام لا كسفير فحسب؛ بل ككاتب وأديب".
----