إنه عبد السلام العُجيلي، الذي شغلَ كلَّ عقود النصف الثاني من القرن العشرين بإبداعاته القصصية والروائية. ذلك ما يقوله الناقد فؤاد المرعي عن "أروع بدويّ عرفته الصحراء، وأروع صحراويّ عرفته المدينة" كما يصفه صديقه الشاعر نزار قباني.
عبد السلام العُجيلي (1918-2006) الذي كان شاهداً على كامل القرن العشرين، توزعت حياته بين الطب والأدب والسياسة؛ كان أيضاً مجالاً لسلسلة (أعلام ومبدعون) التي تُصدرها وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب، وهذه المرة كانت بكتابة الأديبة علياء الدّاية، كتابة لا تخلو من الرشاقة والتكثيف والإحاطة -رغم الحيّزٍ القليل- بشخصية عميقة وواسعة كشخصية العُجيلي؛ جال في رحلاته مختلف أرجاء الكون، غير أن أجمل المناطق وأقربها إلى نفسه، كانت (الرقة) التي ما إن يغيب عنها حتى يعود إليها بكامل حنينه، وله في ذلك أقوال وكتابة بدأت بالقصة القصيرة واختتمت باليوميات. كتابة تنوعت تنوّع الحياة التي عاشها العُجيلي طولاً وعرضاً وارتفاعاً ما بين العيادة كأقدم طبيب في محافظة الرقة، والوزارة التي تسلم خلالها مقاليد ثلاث وزارات في الحكومات السورية المُتعاقبة.
هذه الحياة الغنية سواء على الصعيد البيئي وتنوعه، أو الحياة الإنسانية وغناها، شكلت للعُجيلي فضاءً رحباً للإبداع، فما بين "بنت الساخرة 1948م" أولى مجموعاته القصصية، وبين "ذكريات أيام السياسة 2007م" التي صدرت بعد وفاته بسنة واحدة، ثمة أكثر من أربعين كتاباً، تنوعت بين القصة القصيرة التي أجادها، والرواية، التي لم يبتعد فيها عن "حكواتية" القصة القصيرة، وما بينهما تنويعات في المقالة، وأدب الرحلات، والسيرة الذاتية، وقليلاً من المسرح والشعر، وكان في كلّ ذلك حكواتياً من النوع المختلف، ما جعل من أدبه مجالاً واسعاً للحفاوة وإغواءات النقد، فسُطرت عشرات الكتب والأبحاث التي تناولت أدب عبد السلام العُجيلي، لعلّ من أشهرها "عبد السلام العُجيلي، دراسة نفسية في الفن القصصي والروائي- 1970" للناقد عدنان بن ذريل، و"التاريخ والعُجيلي -2006" للناقد محمد جدوع، و"عبد السلام العُجيلي حكواتي الفرات- 2011" للناقد والروائي نبيل سليمان.
وإذا كانت أسماء الكثير من شخصيات القادة والملوك والفرسان دخلت في بنية الأغنية الشعبية والفلكلورية، غير أن تاريخ الأغنية لم يُسجل لغير أديب الرقة وطبيبها، إذ دخل اسمه في صميم الأغنية الشعبية التي أصبحت فلكلوراً سورياً خالصاً.
تذكر الدكتورة علياء الدّاية عن العُجيلي القاص والروائي: "ما إن تبدأ بقراءة نص أدبي للعُجيلي، حتى تأخذك الكلمات من سطر إلى آخر، وأنت تستمتع بأسلوب الحكاية التي يبرع فيه، ويشدّ به قارئه، فهو يُضفي الخصوصية على الموضوع، والأهمية على الحدث الرئيسي الذي يجري في القصة أو الرواية أو المقال، ويجعلك تشعر أنك أحد الأطراف المعنية بما يحصل، فترغب في معرفة المآل الذي تصير إليه الشخصيات، والنتيجة التي يخلص إليها النص، فتندمج في إيحاء المكان ويُعايش ذهنك زمن الأحداث". وتُضيف الدّاية: تناول العُجيلي في رواياته وقصصه موضوعات كثيرة؛ منها ما يرتبط بنشاط الإنسان الخارجي وتفاعله مع الحياة والمجتمع كالسفر والاغتراب والحرب واقتحام المصاعب والأخطار، وممارسة مهن متنوعة، ومنها ما يتعمّق في عواطف الإنسان ووجدانه وانفعالاته كالحب والحزن والخيبة والأمل والدهشة والندم. ومن المألوف في الرواية أنّ أحداثها تجري في عدّة أماكن، أو أنها تحتوي على عدد كبير ومُتشعّب من الشخصيات، غير أنّ العُجيلي يتميّز بتنوع كبير في أماكن قصصه وشمولها، فقد تجري أحداث قصّة له في سيارة أو على الطريق العام كما في قصته "الجدب"، أو يتوّسع المكان ليمتد إيحاؤه ومعناه في البادية السورية وعادات سُكانها كما في قصته "الخيل والنساء".
تقلد العُجيلي مناصب وزير الإعلام والثقافة والخارجية، ونائب في البرلمان عن محافظة الرقة، غير أن أكثر ما اشتهر به هو إخلاصه لمهنته طبيباً في مديتنه الرقة، وبلغ اعتراف العديدين بفضله إطلاقهم اسم "عبد السلام" على الكثير من المواليد الجدد في ذلك الحين. ويذكر الأديب حسن م يوسف في هذا المجال: عيادة الدكتور عبد السلام العُجيلي أقدم عيادة في مدينة الرقة، ومع أنه طبيب عام إلا أنّ الإقبال على عيادته أكثر من عيادة أي طبيب مُختص، وشهرته كطبيب لا تقل عن شهرته كأديب. وكان العُجيلي يفتخر بعمله طبيباً، وبتقديمه مهنة الطب على هواية الأدب. ونختم بما تقول عنه الأديبة الكويتية ليلى العُثمان: لا تُذكر الرقة إلا ويذكر طبيبها وأديبها العُجيلي، وقد أصبح معلماً من معالمها الثقافية والعلمية والأدبية.
----