تمثل اللغة الإنجليزية 60 % من محتوى الإنترنت العالمي، وهي اللغة المشتركة لثقافة البوب والاقتصاد العالمي. حيث تنشر جميع المجلات العلمية المائة الأكثر تأثيراً في العالم باللغة الإنجليزية.

كتب الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي: "في كل مرة تطفو فيها مسألة اللغة على السطح، تبرز معها سلسلة من المشاكل الأخرى إلى الواجهة"، مثل "توسع الطبقة الحاكمة"، و"العلاقات بين الجماعات الحاكمة وجموع الجماهير الشعبية "والصراع على "الهيمنة الثقافية". يكشف كتاب "شروق اللغة الإنجليزية" لروزماري سالومون عن الحروب اللغوية التي تدور رحاها في جميع أنحاء العالم، وعن المخاطر السياسية والاقتصادية والثقافية الكامنة وراء هذه الحروب، وإظهار أن اللغة الإنجليزية هي المنتصر حتى الآن. إنه كتاب بانورامي استكشافي يجمل في كل صفحة من صفحاته تقريباً حقيقة لافتة.

إن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر انتشاراً في العالم، حيث يبلغ عدد المتحدثين بها 1.5 مليار شخص على الرغم من أنها اللغة الأم لأقل من 400 مليون شخص. تمثل اللغة الإنجليزية 60 % من محتوى الإنترنت العالمي، وهي اللغة المشتركة لثقافة البوب والاقتصاد العالمي. حيث تنشر جميع المجلات العلمية المائة الأكثر تأثيراً في العالم باللغة الإنجليزية. "يدرس ما يقرب من 100 % من الطلاب اللغة الإنجليزية في مرحلة من مراحل تعليمهم في جميع أنحاء أوروبا".

وحتى في فرنسا، حيث تعتبر مواجهة هيمنة اللغة الإنجليزية هاجساً رسمياً، فإن اللغة الإنجليزية هي المنتصر. تكتب سالومون أن البيروقراطيين الفرنسيين يحاولون باستمرار حظر إدخال الكلمات الإنكليزية في اللغة "مثل لاعب في ألعاب إلكترونية gamer والشبكة المظلمة dark web والأخبار المزيفة fake news"، لكن يتم تجاهل مراسيمهم "بهدوء". على الرغم من أن القانون الفرنسي المسمى قانون توبون "يفرض على المحطات الإذاعية تشغيل 35 % من الأغاني الفرنسية"، فإن الـ 65 % المتبقية تغمرها الموسيقى الأمريكية. يغني العديد من الفنانين الفرنسيين الشباب باللغة الإنجليزية. وبموجب القانون، يجب على تلاميذ المدارس الفرنسية دراسة لغة أجنبية، فيتاح لهم ثماني لغات، ولكن 90 % منهم يختار اللغة الإنجليزية.

تميل سالومون، أستاذة القانون في كينيث وانغ في كلية الحقوق بجامعة سانت جون، إلى إلقاء نظرة على سبب فوز اللغة الإنجليزية، حيث تقول ببساطة إن اللغة الإنجليزية هي لغة النيوليبرالية والعولمة، الأمر الذي يبدو أنه يطرح السؤال. لكنها دقيقة في تأريخ المعارك التي تدور حول سياسة اللغة في بلدان تمتد من إيطاليا إلى الكونغو، وتحليل الفائزين والخاسرين غير المتوقعين.

تعتبر فوائد اللغة الإنجليزية معقدة. ومن الواضح أنها تفيد الناطقين بها. وغالباً لا يدرك الأمريكيون، ما تسميه سالومون "عجرفة أحاديي اللغة"، الميزة التي يتمتعون بها بسبب الهيمنة العالمية للغتهم الأم. تستفيد اللغة الإنجليزية أيضاً من الأقليات المهيمنة على السوق المرتبطة عالمياً في البلدان غير الغربية، مثل البيض الناطقين بالإنجليزية في جنوب أفريقيا أو النخبة الناطقة بالإنجليزية من التوتسي في رواندا، وفي المستعمرات الفرنسية السابقة مثل الجزائر والمغرب، حيث يُنظر إلى التحول من الفرنسية إلى الإنجليزية على أنه مفتاح التحديث وشكل من أشكال المقاومة ضد ماضي الفرنسيين الاستعماري.

في الهند، يبدو دور اللغة الإنجليزية معقد بشكل مذهل. يفضل حزب الشعب الهندي القومي الهندوسي الحاكم تصوير اللغة الإنجليزية كلغة المستعمرين، مما يعيق رؤية الهند الموحدة بين الثقافة الهندوسية والهندية. على النقيض من ذلك، بالنسبة إلى المتحدثين باللغات غير الهندية وأعضاء الطبقات الدنيا، غالباً ما يُنظر إلى اللغة الإنجليزية على أنها درع ضد هيمنة الأغلبية. يرى بعض الإصلاحيين اللغة الإنجليزية على أنها "لغة مساواة" على عكس اللغات الهندية، التي تحمل "إرث الطائفة". اللغة الإنجليزية هي أيضاً رمز للوضع الاجتماعي. كشخصية في إحدى أفلام بوليوود الناجحة مؤخراً تقول: "اللغة الإنجليزية ليست مجرد لغة في هذا البلد. إنها فصل من التاريخ". في هذه الأثناء، يضغط الآباء لتعليم أطفالهم اللغة الإنجليزية، معتبرين ذلك بمثابة تذكرة للانتقال إلى مستويات أعلى.

يعتبر فصل جنوب أفريقيا لسالومون من بين أكثر الفصول إثارة للاهتمام في الكتاب. وفيه أنه إلى جانب اللغة الأفريكانية، تعد اللغة الإنجليزية واحدة من 11 لغة رسمية في جنوب أفريقيا، وعلى الرغم من أن 9% فقط من السكان يتحدثون الإنجليزية كلغة أولى، إلا أنها "تهيمن على كل القطاعات"، بما في ذلك الحكومة والإنترنت والأعمال والبث والصحافة، لافتات الشوارع والموسيقى الشعبية. لكن اللغة الإنجليزية ليست لغة النخبة التجارية والسياسية في جنوب أفريقيا فقط، بل كانت أيضاً لغة مقاومة السود لنظام الفصل العنصري الذي يهيمن عليه الأفريكان (الأفارقة البيض) مما منحها أهمية رمزية هائلة. وهكذا، شهدت السنوات الأخيرة نشطاء سود فقراء وطبقة عاملة يضغطون من أجل تعليم اللغة الإنجليزية فقط في الجامعات، على الرغم من أن العديد منهم لا يجيد اللغة. ومع ذلك، يجادل معارضو اللغة الإنجليزية بأن الابتعاد عن تعليم اللغة الأفريكانية يضر بشكل غير متناسب بالفقراء من جميع الأعراق، بما في ذلك ذوي الدخل المنخفض من السود والبيض والملونين. في غضون ذلك، "يتحدى النشطاء الملونون الأصغر سناً ثنائي اللغة الإنجليزية والأفريكانية ويستكشفون أشكالاً بديلة للتعبير، مثل AfriKaaps"، وهو شكل من أشكال اللغة الأفريكانية يروج له فنانو الهيب هوب. في الوقت الحالي، على الرغم من ذلك، "الالتزام الدستوري بالمساواة اللغوية في جنوب أفريقيا هو طموح في أحسن الأحوال"، و"اللغة الإنجليزية هي السائدة في قوتها الاقتصادية".

إن تعلم اللغة الإنجليزية يدر على متقنيها "عوائد سوق العمل الإيجابية في جميع أنحاء العالم". وكذلك في جميع أنحاء الأوساط الأكاديمية اليوم، وصولاً إلى أوروبا وآسيا، حيث "لم تعد القاعدة هي "النشر أو الذيول" بل بالأحرى "النشر بالإنجليزية ... أو الاندثار". وفي الشرق الأوسط، "يحصل الموظفون الأكثر كفاءة في اللغة الإنجليزية على رواتب تزيد عن 5 % عن غيرهم في (تونس) و 200 % في (العراق) مثلاً". وفي الأرجنتين، يعتقد 90 % من أصحاب العمل أن اللغة الإنجليزية هي مهارة لا غنى عنها، وقد ارتبط الدخل المرتفع بإتقان اللغة الإنجليزية في كل الدول التي أجرت الكاتبة فيها استطلاعاً.

تختتم سالومون بمناقشة موجزة لأحادية اللغة الأمريكية، واصفة موجات القلق السياسي من التهديدات التي تتعرض لها اللغة الإنجليزية كلغة وطنية، بينما تدعو إلى المزيد من التعددية اللغوية في البلدان الناطقة بالإنجليزية. بالإضافة إلى الفوائد الاقتصادية للتحدث بلغات متعددة في عالم معولم، استشهدت سالومون بالدراسات التي تظهر أن تعلم لغات جديدة يحسن الوظيفة الإدراكية الشاملة. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد بأن "مراقبة الحياة من خلال عدسة ثقافية ولغوية واسعة، تؤدي إلى قدر أكبر من الإبداع والابتكار".

الكتاب وصّف اللغة الإنكليزية بأنها اللغة المشتركة المهيمنة في جميع أنحاء العالم، وربط قصص الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا ودول ما بعد الاستعمار مثل الهند وجنوب أفريقيا من خلال تأثيراتها الاقتصادية والسياسية واسعة النطاق. تحدث الكتاب عن إيجابيات وسلبيات يسببها انتشار اللغة الانكليزية الواسع، لأنها تزيد من الفرص الاقتصادية للبعض، ولكنها تهمش الآخرين. وافتقر الكتاب إلى أي طرح واضح يتجاوز الإيحاء بأن "اللغة أداة سياسية معقدة". بالإضافة إلى ذلك، لم يرتبط الكتاب ببعضه البعض ولم يعكس اختلاف دراسات الحالة الخاصة به.

وأخيراً ورغم أهمية ما جاء فيه، لم يقدم الكتاب إطاراً تقييمياً واضحاً؛ حيث ركزت الكاتبة بشكل أساسي على العوامل الاقتصادية المباشرة (التي غالباً ما تتلخص في شيء واحد وهو: الوصول إلى الأسواق العالمية)، ولكن هناك القليل من النقاش المتخلف لموضوعات أخرى فيها مراوغة أيضاً، مثل العرق والإنصاف والاستعمار والإمبريالية. وقد يعود هذا الخليط من الأشياء غير القابلة للقياس إلى أصول الكتاب. فقد كتبت سالومون في مقدمتها، "كانت خطتي الأولية هي تأليف كتاب عن قيمة اللغة في الاقتصاد العالمي". ولكن "كلما تعمقت في البحث.. نظرت إلى القضايا من منظور عالمي أوسع، وظهرت روابط أكثر وضوحاً بالعدالة التعليمية والهوية والمشاركة الديمقراطية". ولكن الكاتبة ولسوء الحظ، لم تتعامل مطلقاً مع هذه القضايا الأعمق.

----

الكتاب: شروق اللغة الإنجليزية

مؤلفة الكتاب: البروفيسورة روزماري سالومون

ترجمة عن: نيويورك تايمز NY