قدم الباجث التاريخي "أمين قداحة" دراسة مبسطة بعنوان "الآثار والتراث في سلمية" كدليل بسيط على مدى ارتباطنا بجذورنا لغوياً، وذلك برد اللهجة العامية إلى أصل آرامي وفق ما توفر من أدلة لغوية تجعلنا نتبنى هذه النظرية.

يبدأ الباحث "أمين قداحة" دراسته من خلال لغة الناس قائلاً: "مرحبا: كلمة ترحيب كان يستخدمها السريان وتتألف من جزأين الأول "مر" وتعني السيد أو الرب، والثاني "حبا" وتعني المحبة لتصبح الكلمة (الله محبة) توافقاً مع الديانة المسيحية. ونحن كثيراً ما تمر معنا خلال أحاديثنا اليومية أو في قراءاتنا ومطالعاتنا، كلمات ومصطلحات قد نعرف ما تعنيه، إلا أننا نجهل أصلها. وهنا نقف شبه عاجزين فنردها إلى أصل أعجمي دخل إلى لغتنا في وقت سابق، ولربما كان قد أسس لهذا الجهل كسلنا نحن أصحاب أعرق لغة عرفها التاريخ، وعزز لنا هذا الكسل والجهل كتابات الكثير من المستشرقين، الذين جيّروا التاريخ ومضامينه لغايات تخدم سياسات بلادهم بالدرجة الأولى، ولعل أهمها فصلنا عن تاريخنا وتشويهه".

وأضاف الباحث "أمين" لمحة تعريفية بالآراميين واللهجة الآرامية، قائلاً:

الآراميون: شعب من شعوب الشرق العربي التي اصطلح على تسميتها بالشعوب السامية خطأ، والأفضل أن تسمى بالشامية أو العربية، ومنها الأكاديون والآشوريون والبابليون والكنعانيون..

كان الآراميون قبائل بدوية ذات بطون وأفخاذ من "بيوت"، وكانت أطراف البادية العربية السورية ولاسيما المناطق القريبة في جبل بشري "بسر في النصوص القديمة" موطنها الأم. وقد كانت هذه المنطقة وما يتصل بها جغرافياً موطناً للقبائل الأمورية أيضاً وذلك منذ القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد حسب النصوص المكتشفة "إيبلا".

وأما الاسم "آراميون" فهو مشتق من اسم "آرام" الدال لغوياً على العلو والارتفاع والسمو. والجدير بالذكر أن صيغة الإسم الشائع "آرام" غير دقيقة، وهي تعتمد على الصيغة التوراتية. أما الكتابات المسمارية المقطعية، فتقدم لنا ضبطاً دقيقاً للحروف، فتورد الاسم، منذ آواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد حتى آواخر القرن الثامن قبل الميلاد، بضم الراء أو كسرها أو عدم تحريكها.

اللهجة الآرامية:

تنتسب إلى مجموعة لغوية أطلق عليها تجاوزاً اسم مجموعة اللغات السامية، على أن أول من أطلق هذه التسمية في الفترة المعاصرة هو المستشرق الألماني اليهودي "شلوتسر"، وكان ذلك في النصف الثاني من القرن الثامن عشر 1781 ميلادية. ودون الغوص في تلك المصطلحات لأنها ليست موضوع بحثنا، يمكننا أن نستعرض أهم الميزات والخصائص المشتركة بين فروع هذه المجموعة اللغوية من خلال بعض مركباتها وأحوالها واختلافها عن غيرها من اللغات واللهجات ومنها اللهجة السلمونية.

إن اللغة المحكية في سائر أنحاء "سورية" الطبيعة قديمة، تعود في أصولها إلى اللسان الآرامي. ولاتزال آثار اللسان الآرامي ماثلة في اللغة المحكية في "سورية"، نورد بعض المقاربات اللغوية.

فمثلاً: من القواعد النحوية المعتبرة في العربية، أن الفعل المتقدم على فاعله يبقى في حالة الإفراد: "جاء الطالب" و"جاء الطلاب"، بخلاف القاعدة الآرامية التي تقضي بالمطابقة بين الفعل والفاعل في الإفراد والجمع، ولاتزال هذه القاعدة الآرامية سارية في لغتنا المحكية، فنقول مثلاً: "إجو الشباب". ويقول الولد لأمه "ضربوني الأولاد"، وهذا اللسان منتشر كثيراً بين تلاميذ المدارس في "سورية" الوسطى والغربية بفعل نشأتهم البيتية المحكية ذات الأصول الآرامية.

وأيضاً في اللغة الآرامية يتعدى الفعل المتعدي إلى مفعوله بواسطة حرف الجر(اللام) وفي اللغة المحكية يقال (شفتو للصبي) (ضربتو لخييك) (وسمعتو للولد) وهذا لا تجيزه قواعد اللغة العربية الفصحى.

وأيضاً الأسماء والصفات على وزن فِعِيّل في العربية الفصحى، ترد مفتوحة الفاء في المحكية طبقاً للأوزان الآرامية، ونقول في الفصحى "قدّيس" وفي المحكية "قَدّيس"، وفي الآرامية "قِديشا"، ومثل ذلك في تِنين (2).

ويصاغ اسم الآلة في العربية الفصحى على وزن مِفعل، ويحرر في المحكية إلى مَفعل المطابق للوزن الآرامي، نقول في الفصحى "مِلقط" وفي المحكية "مَلقط" وفي الآرامية "ملقطا".

وتصاغ النسبة في اللغة العربية الفصحى عادة بإلحاق ياء مشددة في آخر الكلمة وفي الآرامية بإلحاق (ا ن ي) ومن بقايا ذلك في اللغة المحكية روحاني بدلاً من روحي.

علامة التصغير في اللغة العربية هي ياء ساكنة بعد ثاني الاسم، فنقول في تصغير درهم دريهم، وعلامة التصغير في الآرامية هي (ا و ن) ماتزال ماثلة في المحكية من ذلك "كلبون" (الكلب الصغير تستعمل للطفل الصغير بقصد التحبب) "شلفون" بمعنى الشاب الصغير، "بيتون" بمعنى البيت الصغير.

وأثر الآرامية واضح في الضمائر، نقول في الفصحى "نحن" و"هم"، وفي المحكية "نحنا وهنِي" طبقاً للآرامية.

قلب الميم نوناً في ضمير المخاطبين والغائبين، نقول في الفصحى "أبوكم وبيتهم" وفي المحكية "أبوكن وبيتهن"، وهذه خواص الآرامية.

ليس في الفصجى وزن فوعل، ولكنه شائع في الآرامية، وكذلك في المحكية نقول "دوقر" (أوصد الباب).

التأثير الصوتي في التلفظ، من ذلك تسكين المتحرك الأول في المحكية: "كبير، صغير" وتسكين المتحرك في وسط الكلمة: "رزقْتك، حرمْتك، علْتك" بدلاً من "رزقَتك حرمتَك وعلتَك"، وتسكين ثاني المتحركين المتلاحقين "قصْبة، شرْكة" بدلاً من قَصَبة وشَركة، ومن ذلك أيضاً إشباع الحركة في صيغ الأمر من الأجوف، بينما تقضي قاعدة اللغة بقصرها: "بيع، روح"، بدلاً من "بع، رح".

----

الكتاب: الآثار والتراث في سلمية

الكاتب: مجموعة من المؤلفين

الناشر: إشراف جمعية العاديات في سلمية