يبيّن كتاب "الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ" أن جوهر هذه الفلسفة وبناءها النظري يقومان على جانبين أساسيين (أنثروبولوجي وأنطولوجي)، حيث يُعد الأول الجذر الأساسي الذي يقوم عليه الثاني.

يتصف العالم الموضوعي عند بلوخ دائماً بأنه عالم لم يكتمل بعد، وينعكس هذا على الذات الإنسانية في صورة سخط على الواقع، ورغبة في تجاوز المعطى الذي لم يصل بعد إلى حد إرضاء الذات وإشباع رغباتها. ولقد اكتشف بلوخ في باطن الإنسان عالم "الرغبة" الذي انبثق منه ما سماه الوعي بالـ "ليس – بعد"، أو ما لم يصبح بعد، ثم وضع يده على الأساس الأنطولوجي لتفسيره الجدلي المادي للعالم فيما سماه "الإمكان"، أو مالم يتحقق بعد.

ويبيّن الكتاب أن البناء الأنثروبولوجي لفلسفة الأمل ينطلق من نظرية هامة من نظريات علم النفس (نظرية الدوافع)، التي يرى بلوخ أنها الأصل في السلوك البشري، فاهتم بإبراز الوعي الذي يظهر وراء الدافع. كما اقتفى بلوخ آثار الحلم البشري ليكتشف أن الحلم بحياة أفضل يداعب خيال الطفل منذ اللحظات الأولى للوعي والإدراك، إنه الحلم المبدع الخلاق الذي يؤدي فيه الخيال البشري والإرادة البشرية دوراً أساسياً في كل عصور التغيير، وكل الإنجازات العظيمة التي تمت في التاريخ البشري، وسبقتها أحلام كثيرة رسمت ملامح هذا التغيير.

ويحدد بلوخ تصورات أو مفاهيم أنطولوجية أساسية يصفها بأنها مفاهيم "مقولاتية"، تدل على حركة الواقع الجدلي للمادة والتاريخ، وهي "اللا" التي يبدأ منها كل شيء، وهي الحاجة والسعي والدافع المستمر، والمتعلقة بمبدأ الوجود، ومنها تنطلق الحركة المندفعة نحو الامتلاك والامتلاء، والـ "ليس – بعد" التي تعبر عن اندفاع التاريخ نحو الكل، ويربط بلوخ الفكر بمقولة الـ "ليس – بعد"، ويدخله في قلب العملية الجدلية، فيرى أن عليه أن يكون على أهبة الاستعداد، وأن ينظر إلى الأمام وفيما حوله، فيكون في قلب الحياة والأشياء، بحيث يتجاوز الواقع باستمرار من خلال وعيه بدوره في التقدم إلى الأمام، وهذا الفكر يحتاج إلى أنطولوجيا من طبيعة مختلفة عن أنطولوجيا الوجود العام. أما المقولة الثالثة التي حددها بلوخ فهي "اللاشيء" أو "العدم"، وهو القوة المتنامية، وأحد المفاهيم الأساسية في أنطولوجيا جدلية متحركة نحو الكل اليوتوبي.

والجدل هو منطق الزمانية ومنطق الصراع والتغيير في الفكر والعالم، ويرى بلوخ أن الجدل قد أثبت وجوده في تاريخ الفكر الفلسفي، لكنه لم يصبح موضوعاً للتأمل الجاد إلا في حالات نادرة، ويشير إلى أن هيغل يمثل قمة الجدل الموضوعي في العصر الحديث والمعاصر. لكن اختلاف الجدل المادي عند بلوخ عن الجدل المثالي عند هيغل يكمن في أن عملية التقدم نحو الهدف النهائي اليوتوبي غير ممكنة إلا بالابتعاد عن التذكر، أي بالتوقع والأمل المتجدد، والتقدم نحو الجديد، يهتدي بالـ "ليس – بعد" في مسيرته، حتى لا ننسى أن اليوتوبي والحقيقة والواقع لم يتحققا أو يكتسبا بعد. إذاً جدل بلوخ هو جدل القلق وعدم الامتلاء النهائي، وعدم الحضور والكمال فيما هو غير كامل أو ناقص.

والمبدأ اليوتوبي عند بلوخ كامن في الواقع والوعي معاً، وهو ينزع باستمرار إلى تخطي معوقاتهما، ليتجه نحو الهدف الكلي الذي يتحرك نحو مبدأ الأمل، وهو تحقيق مملكة الحرية الشاملة، ومبدأ الأمل كامن في الوعي وفي واقع هذا العالم الخارجي غير المكتمل وغير التام، والذي يتميز دائماً بالصيرورة المستمرة.

يرى بلوخ أن الذات البشرية ظلت مغتربة عن الذات الطبيعية حتى اكتشفت الماركسية الذات التاريخية في الإنسان العامل، وأضفت الإرادة بمفهومها الماركسي "الذات" على الصيرورة الطبيعية، فتوسطت الكائنات البشرية مع هذه الذات وبالعكس، وأخيراً توسطت الذات مع نفسها، ولكي تتحقق اليوتوبيا لا بد للذات البشرية أن تشارك الذات الطبيعية وتتحالف معها من أجل إنتاج تقنية عينية، فالذات البشرية تحوي في داخلها قوة هائلة لم تنفجر بعد، وهذه القوة تسمى "الإرادة"، والتي يطلق عليها بلوخ اسم "إلكترون الذات البشرية".

----

الكتاب: الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ

الكاتب: عطيات أبو السعود

الناشر: مؤسسة هنداوي، 2021