نافذة جديدة يلقي من خلالها مشروع الهيئة العامة السورية للكتاب، في وزارة الثقافة، الضوء على جانب من القصة الأفغانية، عبر مجموعة "الثلج والرسوم على الجدار" للكاتب أعظم رهنورد زرياب وزوجته سبجومي زرياب، ونطل معهما على جوانب من الحياة داخل مجتمع يمتلك خصوصية بسبب ظروفه الثقافية والاجتماعية والسياسية، تقدمها تسع قصص تغلب على أسلوبها الواقعية التي تجد نبعاً ثراً في حياة المجتمع الأفغاني لتصوغ منه حكايات موحية وموجعة في آن معاً.

في قصة " السياح" لرهنورد وباقتصاد بالوصف والسرد، يروي لنا حكاية رجل نحيل الجسد يبيع الإجاص على ظهر حمار ضئيل الجسد كصاحبه! يلتقي بثلاثة من السياح الأجانب، ويتوهم أنهم سيشترون منه الكثير، لكنهم ينتهون بعد محادثة قصيرة إلى التقاط بضع صور لهم مع الحمار وصاحبه، ويمضون بسرور مخلفين خيبة وحسرة تدفع الرجل للهمس "أذى الغرباء"، كنوع من الخديعة.

في قصة "الثوب المورد"، يسير الحلم على ضفاف روح امرأة فقيرة تبحث عن منزل جديد بعد طلب صاحب منزل الأسرة مغادرته، فتقرر مغادرة "الأحياء الرمادية المظلمة". ومن خلال عدسة ابنتها يأتي السرد مفعماً بالأمل الذي يطل من ذلك الثوب المورد للأم التي اعتادت ارتداءه في المناسبات المفرحة، لكن البحث في الحي الجديد المشرق وبيوته الباذخة بناء وإيجاراً، أطاحا بما بدا حلماً، لينتهي الأمر بشكل ساخر حين تقرر الأم الاتصال بأحد أصحاب البيوت وطلب تعديلات جمالية؛ فيما كانت البرودة تتسلل إلى الجو كما لو تتسلل إلى روحهما، وينتهي المطاف بقول الأم "حين نذهب إلى البيت سنشرب الشاي" في رد رمزي!

الحكاية مزجت بين واقعية الحدث ورومانسية الحلم بلغة فيها الكثير من الشاعرية التي وسمت اللحظة القصصية في مشهديتها التعبيرية.

"سبع مرات" قصة موغلة في واقعيتها من حيث بنائها واتكائها على رغبة الانتقام التي تصيب روح الإنسان حين يتعرض إلى ظلم شديد، والأب ميرزا الذي يحاول مواجهة التاجر الذي اعتدى على ابنه يتم، الاعتداء عليه أيضاً، فيبيع بيته ويغادر حيه ويدفع أبناءه إلى بطل رياضي يدربهم حتى اشتد ساعد كل منهم وكبرت عضلاته، ليعود الجميع للانتقام من ذلك التاجر، ويؤدي ذلك إلى مقتل التاجر بيد أبناء ميرزا، مع إشارة مهمة إلى وقوف أهل الحي على الحياد في الحالتين بما تنطوي عليه من دلالة اجتماعية ونفسية.

في "الثلج والرسوم على الجدار" ينتقل الكاتب من خلال تخيلات حيدر التي يتحول فيها الجدار إلى ما يشبه شاشة سينمائية ينفذ منها القص إلى حكايات وأحداث تاريخية، ويوظف الحوار بين حيدر وجدته العجوز ومن ثم أمه في سياق الحدث الذي يتصادى في النهاية مع خبر موت أبيه حسين لينتهي المشهد "كان ثمة رسم واحد كبير على الجدار، كان رأس أبيه المقطوع، وكان كله أبيض كالثلج".

"المذياع" قصة تقوم على نوع من التضاد بين حق الأغنياء الطبيعي في امتلاك المذياع بل وجعله دلالة على التميز في زمن عز فيه الحصول على هذا الشرف، وبين الخباز، بدلالة طبقته، الذي يحصل على المذياع لكنه يحتاج من يساعده في تشغيله لأنه قديم لا يعمل في البداية ليأتي سقوط أحدهم عليه بالمصادفة فينطلق الصوت منه، وعلى الرغم من ذلك يقوم الحاج إسماعيل، الذي كان سباقاً بامتلاكه، بترديد جملة أسيرة طبقته المتعالية: "مسكين خدعوه، هذا النوع لا يعمل"؟!

سبوجمي زرياب تأخذ المشهد القصصي، في ثلاث من أربع لها، إلى عوالم المرأة وأثر الحرب والذكورية المجتمعية في معاناة متواصلة وبصيغ متعددة. ففي "الدلاء وأكياس الدخن"، تصور بحساسية إنسانية عالية مشهد جارتها ونساء الحي، اللواتي استشهد أبناؤهن، المتكرر برحلة أسى يومي إلى المقبرة "جلست النساء ذوات الملابس السوداء، وأفرغن دلاء الماء، وروين تراب القبور الجافة والعطشى". ولا تنسى الكاتبة أن تستعيد أحد فصول التاريخ من خلال درس عن الحرب العالمية الثانية وما خلفته من ضحايا، لكن ثمة رغبة لديها برؤية النساء ينزعن الملابس السوداء وارتداء ملابس ملونة تزدهي بالحياة لتصبح جميلة بدل هذه القاسية، في تضاد موجع بين الواقع والحلم.

وفي قصة "الهوية" تعود الأم لاسترجاع هوية ابنها المنسية في بيتهم القديم بعد أن غادر هرباً من اقتياد احدى الجماعات له وزجه في الحرب، لكن الأم تموت في الطريق، وهو يقع في أيدي ثلة تجبره على ما هرب منه، في سرد يصور الحالة النفسية للأم الخائفة التي تقدم على أي فعل لإنقاذ ابنها، لكن مشهد الحياة أكثر قسوة في جريانه الواقعي الذي يجرف في طريقه كل شيء.

"القباء أسود اللون" حكاية تاريخ من الظلم الذكوري الذي تتعرض له المرأة بسبب جنسها، في مجتمع ذكوري شديد الأنانية ومايزال يعتبر ولادة الفتاة عاراً يجعل "الذكر" يصب جام غضبه على المرأة، وقد صورته القصة كقباء أسود يظهر منه الرأس بعينين حاقدتين وأقدام وأيدي للرفس والضرب، ما يجعل عائشة تجهض خوفاً على ابنتها لتنتهي بالموت، في بناء قصصي يتصاعد فيه الحدث إلى ذروة اتخاذ القرار القاسي وينتهي بمأساة عبر وصف ولغة تنبش في معاناة الشخصية الداخلية والخارجية بما يوازي قسوة الواقع نفسه.

----

الكتاب: الثلج والرسوم على الجدار

تأليف: أعظم رهنورد زرياب وسبوجمي زرياب

جمع: اسحق شجاعي وحسين بلخي

ترجمة عن الفارسية: د. ندى حسون

وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب