شكل التراث الكتابي والتصويري والتشكيلي بعمومه جزءاً من التراث الفكري العربي، وهذا ينطبق على الجانب المتعلق بالكتابة والخط تطويراً وتجويداً وتحسيناً، فإحياؤه والمحافظة عليه وتحويله إلى طاقة إبداعية ضرورة ملحة.

بدأ الكاتب الخطاط عرابي محمد أبو بكر كتابه "من بدائع الخطاطين" بتاريخ ظهور الكتابة في الألف الرابع وأوائل الألف الثالث قبل الميلاد في سومر، أي في العصر الحجري النحاسي الأخير، وقد بدأ السومريون كتابتهم بالاعتماد على الرسوم والأشكال المبسطة، وعلى الألواح الطينية الرطبة قبل جفافها، وكان رأس القلم يخط الحرف وكأنه مسمار، لذلك سميت الكتابة المسمارية. والكتابة ظاهرة إنسانية من أهم معالم التحضر للإنسان للتعبير عن رغباته ومراده.

وعن نشأة الكتابة العربية، قال الكاتب إن الكتابة وصلت إلى الجزيرة العربية بأحد طريقين: إما من الطريق الدائر من حوران إلى وادي الفرات حيث الحيرة والأنبار ثم مكة فالطائف، أو من البتراء فشمال الجزيرة حتى المدينة ومكة.

كانت الكتابة قبل الإسلام محصورة في قلة قليلة، وعندما نزل القرآن الكريم كان في قريش عدد غير قليل من الكتبة، وكانت الكتابة شرطاً ليكون العربي ذا مكانة مرموقة في قومه. وتنوعت أغراض الكتابة من تدوين الكتب الدينية والأحلاف والعهود والمواثيق والصكوك والرسائل بين الأفراد.

الخط العربي في زمن الرسول الكريم: اتخذ الرسول الكريم عدداً من الصحابة كتّاباً للوحي وللرسائل التي أرسلها إلى الملوك والأمراء، ليدعوهم إلى الإسلام، وكان الكتاب يكتبون بالخط المقور وعددهم ثلاث وأربعون.

وفي عهد الخلفاء الراشدين تطور المجتمع العربي الإسلامي تطوراً ملموساً وأصبح القانون مكان العرف والعادة. ونتيجة لذلك دوّنت الدواوين، وأصبحت للخط مكانة، وحث رابع الخلفاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه على تحسين الخط وإتقانه. فالخط العربي انتشر بنمو الإسلام وامتداده، ووصل في زمن قصير إلى جمال زخرفي لم يصل إليه خط آخر في تاريخ الإنسانية.

وفي العهد الأموي برزت مهنة الخطاط إلى الوجود مع أن الحروف كانت خالية من النقط، ولمع نجم الخطاط الشهير"قطبة المحرر" مبتكر خطوط (الجليل والثلث والثلثين) ولأول مرة بدأت الخطوط الجميلة تزين القصور والمساجد والخانات، وتدوّن بها سجلات الدولة الفتية ودواوينها الحديثة، فنال الخطاطون حظوة لدى الأمراء والخلفاء وجعلوهم في صدارة مجالسهم.

أدى خلفاء بني العباس دوراً متميزاً في تاريخ نهوض الحضارة الإسلامية في كل المجالات، وبلغت الحضارة الإسلامية أعلى قمم لها في عهدهم الذي نبغ فيه فطاحل من العلماء في شتى المجالات، ودخل الخط العربي مرحلة مهمة من مراحل الإبداع والتطور بظهور "ياقوت الرومي الحموي البغدادي"، وبعد ذلك الشيخ "جمال الدين ياقوت المستعصي البغدادي بن عبد الله" الذي أتم ما بدأه الخطاطان "ابن مقلة" و"ابن البواب" وعرف بقبلة الخطاطين.

في الأندلس

دخل الحرف العربي إلى جميع مرافق الحياة، فهو في زخارف اللوحات، وزخارف البيوت والمساجد ومراكز الولاية، وقصور الحكام، والأمراء والسلاطين، وفي الكنائس والكاتدرائيات، وأصبح الأدباء والشعراء والمؤرخون والفنانون يكتبون به. وكما دخل الخط الكوفي الأندلسي إلى المساجد، دخل الكنائس عن رغبة وشوق زائدين، لأن غير المسلم وجد فيه وسيلة للثقافة، وفقاً للفن الرفيع.

في العصر الفاطمي

اعتنى الفاطميون في مصر بالخط العربي عناية كبيرة، فقد كتبوه على المآذن والقباب والأروقة وقصور الخلفاء، وأضرحة العلماء، وزينوا به واجهات الحمامات والمكتبات العامة ومضامير الخيل وواجهات السجون والأماكن العامة. وظهر في مصر الخط الفاطمي، والخط الكوفي الفاطمي، وامتاز كل منهما بهوية خاصة، واختلفا عن غيرهما من الخطوط الأخرى.

في العصر العثماني

ازدهرت في هذه الفترة صناعة الكتاب وكل ما يتعلق به من صناعة الورق والكارتون والخط والزخرفة والتجليد والرسوم والتذهيب وغير ذلك، وأصبحت للأتراك شهرة متميزة في خط الثلث، ولكبار الخطاطين الأتراك مصاحف كثيرة محفوظة إلى الآن في المتاحف التركية.

في إيران

أخذ الإيرانيون المسلمون الخط والتذهيب من العرب، وأضافوا إليهما وابتكروا أولاً خطاً كوفياً مشتقاً من الكوفي العباسي وأكثر وضوحاً، وتطور الخط الكوفي الإيراني تطوراً كبيراً في المصاحف السلجوقية التي تنتمي إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، وأصبحت غنية بتذهيبها، وظهر في القرن الثالث عشر الميلادي نوع جديد من الخط عرف بخط التعليق الذي يمتاز بميلان ألفاته إلى اليمين بصعودها من أسفل إلى أعلى.

واستعرض الكاتب أبو بكر أنواع الخطوط: أولاً: الخط الكوفي البسيط، الخط الكوفي المورق، الخط الكوفي المزخرف، الخط الكوفي المعقود، الخط الكوفي الهندسي الأشكال. ثانياً: خط الرقعة، ثالثاً: خط النسخ، رابعاً: خط الثلث، خامساً: الخط الفارسي.

ثم استعرض الكاتب عمالقة الخط العربي مثل: "ابن مقلة"، "ابن البواب"، "الحافظ عثمان"، "ياقوت المستعصمي"، وغيرهم.

----

الكتاب: من بدائع الخطاطين

الكاتب: عرابي محمد أبو بكر

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق 2021