يقدم فريديك داودسون في كتابه "تقنية صناعة الواقع" نصيحة مفادها أن تكون نوايانا صحيحة منذ البداية، لأن تقنية صناعة الواقع لا تسمح لنا بتغيير النية بعد إطلاقها، وسيتم التعامل مع تغيير النية كواحد من الأوجه الكثيرة (للشك والمقاومة).

بعد التأكد من النية يُعبّر عنها كقرار، فالتصريح بالقرار يعطي شعوراً مختلفاً تماماً عن شعور الأمنية أو الرغبة أو الحلم أو حتى الهدف. وغالباً ما يكون مجرد القرار أو العزيمة كافياً لتجسيد النية، أو وضعنا على المسار نحو تحقيقها، مقارنة بالتمني أو الرغبة التي تعني في الحقيقة شعوراً بالنقص أو العوز.

وبعد التصريح عن النية تأتي الخطوة الثانية وهي التحرر من النوايا المعاكسة، والتي تتمثل بـ (الاعتراضات والشكوك والمشكلات والمقاومة والعوائق وإعادة التفكير والمستجدات والمعتقدات والمشاعر والأحاسيس، وحالات الواقع المناقضة للنية، حيث إن تقنية صناعة الواقع تطالب دائماً بألا تعالج أية مشكلة خارج إطار النية).

ويرى داودسون أن النية والنية المعاكسة معاً هما وجهان لعملة واحدة، حيث إننا سنتعامل مع الأهداف، وفي الوقت نفسه سنتعامل مع كل ما يقف بيننا وبين تحقيق الهدف، وهذه هي طبيعة الواقع الفيزيائي، وليست هناك طريقة للالتفاف حول هذه الحقيقة ما دمنا نعيش على كوكب الأرض.

علاج النوايا المعاكسة

إن الكثير من النوايا المعاكسة تتلاشى أو تفقد قدرتها بمجرد ملاحظتها، وبعض المشكلات ونماذج الأفكار تتطلب أكثر من مجرد ملاحظتها، حيث تتطلب الاعتراف بها، وهذا نقيض للمقاومة أو محاولة التجاهل، أو دفع موضوع ما بعيداً.

والمقاومة تزيد من قوة المشكلة، وجزء من التحرر من النوايا المعاكسة يتوقف على التحرر من مقاومتها، وهذا أمر لازم في تقنية صناعة الواقع، وليس من طريقة للالتفاف حوله.

يقول داودسون: "لا يمثل قمع المشكلة أو محاولة تجنبها مؤشراً على الإيجابية أو الإدراك الروحاني، إنما هي إشارة إلى الجبن، لذا لا بدّ من التحلي بالقوة الكافية للمعالجة، ولا تظهر هذه المواضيع بنتيجة تقنية صناعة الواقع، بل هي مشكلات قائمة في داخلك أساساً، وضمن حقلك الطاقي، وعليك أن تستعد لظهورها لأنها عقبات لا بدّ من تجاوزها كي تحقق الهدف".

كذلك من طرق معالجة النوايا المعاكسة التمتع بالمشكلة (الاعتراضات، العقبات، التحديات) لكونها نقاط الارتكاز على طريق التجسيد الكامل للنية، وكما يوضح داودسون فإن هذه المشكلة ستختفي بمجرد التوقف عن الاستجابة لها بجُبن، بل التفاعل معها كشخص صلب بما يكفي لمعالجتها، وحرّ قوي بما يكفي لتجاوز كل العقبات.

إن الكثير ممن يتعلمون تقنية صناعة الواقع يتوقفون لسبب جوهري، هو أنهم يأخذون غير المرغوب بجدية أكبر من النية المرغوبة، وهذا ما يؤدي في النهاية إلى فوز النية المعاكسة، لذلك لا بدّ من الاحتراس من قناعتنا بأننا الضحية لأفعال الذهن ومشكلاته.

التناغم مع التيار

يعتمد مقدار التركيز المطلوب لصناعة واقع جديد على مستوى الطاقة الذي نعيش العالم من خلاله، وهنا يقول داودسون: "من المهم بالنسبة إلي أن تتجسد نواياي، بغض النظر إن تمّ هذا بالفكرة أو الكلمة أو الفعل أو بالثلاثة معاً، وإذا كانت غايتك أن تتحرر من المقاومة في الحياة كلها، فليس مهماً إن كان عليك التصرف أولاً. وتعتبر الإنتاجية والإبداع من العلامات على أنك ضمن التيار، ويعني كونك ضمن التيار أن تكون متناغماً مع نواياك، امضِ وتصرف واعمل، واحرص قبل أن تفعل على أن يكون شعورك جيداً، وأن تشعر بالارتياح والمتعة والمرح حيال نواياك وحياتك، وإلا فإن أفعالك ستكون "أفعالاً تعويضية" للتعويض عن الصناعة السلبية".

ويؤكد داودسون على أن صناعة الواقع هي أسلوب لاستحضار الأشياء بقوة الإرادة الشخصية بالتركيز المكثف والمستمر، لكن يمكن أيضاً تعلم تقنية صناعة الواقع من خلال تعلم كلا المسارين الشخصي والإلهي.

حيث يرى أن هناك عدة بدائل للحالة الذهنية وطاقة "الصراع من أجل البقاء"، وأحد هذه الخيارات هو ببساطة "التخلي عن مجاذيفك"، بمعنى التخلي عن السيطرة والمقاومة، وهذا ما يعتبر تسليماً تاماً وثقة بقوة الحياة والإله. كما يعني التخلي عن الخطط والأهداف والتوقف عن محاولة الحصول على شيء ما، والاكتفاء بالنظر إلى ما يبدو صائباً أو خيراً في هذه اللحظة، فإن كان الشعور جيداً فهذا يدل على السير مع التيار، والشعور بالسوء يعني التجديف عكسه، وهنا يبين داودسون أنه عليك أن تترك مجاذيفك، لكنهما سيبقيان معلقين إلى جانبي الزورق، وجاهزين لالتقاطهما مرة أخرى، فلا شيء يضيع أبداً.

إن ممارس تقنية صناعة الواقع لا يتمنى ولا يحتاج أو يتوقف، هو فقط ينوي، النية سهلة سهولة القيام بفعل صغير جداً، كإدارة دفة القارب إلى اليسار أو اليمين، مع الحفاظ على التناغم مع النهر، والاتجاه مع التيار لا ضده.

----

الكتاب: تقنية صناعة الواقع

الكاتب: فريدريك داودسون

ترجمة: جانبوت حافظ

الناشر: الأكاديمية الدولية للتنمية الذاتية، 2014.