لقد كان رد الفعل المبكر تجاه السينما فلسفياً على نحو يكاد يكون من الصعب تفاديه، وفي حوار نُشر عام 1985 لاحظ جيل دولوز أن النقّاد الكبار للسينما أصبحوا فلاسفة في اللحظة التي قرروا فيها صياغة جماليات السينما، إنهم لم يكونوا مدرّبين كفلاسفة، لكنهم أصبحوا كذلك، ولقد كان الكُتاب الأوائل فلاسفة بالضرورة، فقد كان الفن الجديد يحتاج إلى فكر جديد، وصوّر هؤلاء الكُتاب قضية السينما باعتبارها فناً من خلال وضعها كإبداع مباشر للعقل والخيال.[1]

لقد ظلت قدرة الفيلم الطويل على نقل الكثير من الأشياء لأعداد كبيرة في وقت قصير نسبياً أحد أبرز سماتها، وهي سمة أثارت قلق كثير من الفلاسفة والمنظرين السينمائيين، لكن هناك فلاسفة اتخذوا موقفاً متفائلاً حيال قدرة السينما على دعم الحرية السياسية والاجتماعية والفكر الإبداعي.

والسينما بطبيعتها وسيلة عظيمة القيمة لطرح موضوعات فلسفية ومناقشتها، لكن في المقابل من الهام إدراك الأخطار الكامنة داخلها، فقد تتسبب الأفلام في قدر من التشويش والارتباك وإن اقتفاء أثر هذا التشويش يجسد جزءاً مهماً من أي منهج للتحليل الفلسفي للسينما.

والاشتباك الفلسفي مع السينما ليس إيجابياً دائماً، وكما أشار فرويد، فقد يقدم الفن سبيل العودة من الخيال إلى الواقع، فللسينما فائدتها في سبر أغوار العديد من الجوانب التي تغطيها الفلسفة وليس جميعها، فالأفلام تعالج موضوعات في الأخلاقيات والميتافيزيقا والدين وعلم الجمال، إلى جانب موضوعات في الفلسفة الاجتماعية والسياسية.

ولقد اندمجت السينما والفلسفة لتشكلا مجالاً مستقلاً، وهو جانب يشهد نمواً، وجزء من اتجاه نحو توسع نطاق الموضوعات الصالحة للاستقصاء الفلسفي الجاد. وقد صاحب توسيع نطاق الموضوعات الفلسفية إدراك أن السينما وغيرها من أشكال وسائل الإعلام والترفيه قد تصبح أدوات فعالة لنقل الأفكار، والتي كثير منها مثير للاهتمام من الناحية الفلسفية.[2]

الإشارات النفسية للأفلام

يعتبر أستاذ علم النفس وعالم النفس الإكلينيكي سكيب داين يونغ أن الأفلام مرايا تعكس عالم السلوك البشري وطرائق عمل الذهن والطبيعة البشرية، حيث يمكننا عبر الاندماج بالأفلام رؤية التطور الفردي أثناء حدوثه، أي عمل الآليات الدفاعية اللاواعية، والعمليات الاجتماعية النفسية، وهنا يصبح الفيلم مسرحاً تُعرض عليه الكينونات النفسية، وعبر عملية قراءة أو تفسير الفيلم باعتباره نوعاً من النص، يمكن الوصول إلى رؤية أكثر نفاذاً للأفراد والمجتمع.

ويمثل تحليل مضمون الأفلام في نظر بعض النقاد طريقة لتناول الأفلام بصورة سطحية وحسب، ولكي يفهم المحلل الإشارات النفسية في الأفلام بحق، عليه أن يأخذ باعتباره المغزى الأعمق، والمعنى المجازي، والمعنى الضمني، والرسالة المستترة، والرمزية المضمرة. ولو أننا فهمنا الفيلم باعتباره رمزياً في جوهره، وله عدة مستويات للمعنى، لاكتسبت الأفلام خاصية سحرية تبدو معها "حُبلى" بالمغزى، وملتبسة المعنى في الوقت نفسه. وبحسب الفيلسوف الفرنسي بول ريكور فإن تفكير القرن العشرين حول الطبيعة البشرية قد تأثر تأثيراً عميقاً بثلاثة باحثين هم "ماركس ونيتشه وفرويد"، أُطلق عليهم "أبطال فلاسفة الشك"، وقد كان فرويد هو صاحب التأثير الأكبر على نظرية الفيلم، فأفكار فرويد انتشرت خارج حدود المجال الأكاديمي وعبارات الطبيب النفسي، وقد تأثر بها كُتاب السّير وصناع الأفلام في حياتهم الشخصية والإبداعية وبالمفاهيم السيكولوجية، حيث أمدتهم بالعديد من الإلماعات المفيدة في صناعة الأفلام.[3]

الفيلموسوفي

تبعاً للفيلموسوفي فإن المتفرج يندمج بشخصيته مع الفيلم، تدعمه المفاهيم التي تربط الشكل مع التفكير لكي يبني تفسيراً للفيلم يستجيب للفيلم ككل. ورغم أن الفيلموسوفي تقصر نفسها على التكوين، فإن هذا بذاته يترك أثراً على أي تفسير أكبر، بما يعني أنه لو بدأت بالانتباه الفيلموسوفي ثم بعد ذلك بتفسيرك، فإن كتاباتك عن الفيلم سوف تتطور بشكل ما. فالفيلموسوفي تهدف إلى إعطاء الطاقة للتفسيرات مع قدر أكبر من فهم كيف تتكامل الألوان والحركات والتأطير مع معنى الفيلم.

وتحاول الفيلموسوفي أن تعبر عن الأحاسيس التي يشعر بها المتفرج خلال الفيلم، بالتوجه إلى رد فعل إنساني لكنه ليس خاماً، وتُفضل ما هو عاطفي على ما هو تقني، كما أن الفيلموسوفي لا تُرجئ المعنى ولا تذعن له، لكنها تقدم تكاملاً بين الشكل وإمكانيات المعنى.

والكتابة حول فيلم هي كتابة حول رغباتنا واهتماماتنا، وكل متفرج يقدم مشاعره حول التفكير ذي المعنى بالنسبة إليه، وتفسيرنا الفيلموسوفي هو رأينا فقط فيما يعنيه فكر العقل السينمائي عند نقطة معينة. أما الترجمة الفيلموسوفية المتعلقة بفنون الأداء للتفكير السينمائي، فيجب أن تكون مرنة ومسرحية وتستخدم المجاز الذي يحول واقع المظاهر، وكل ذلك يمكن أن يزخرف بواسطة الآراء، لكن الآراء المصاغة والتي يتم الإشارة إليها من خلال انفتاح الفيلموسوفي.

إن الكتابات الفيلموسوفية الموجهة هي فكر الفعل الناتج على القارئ، ومفهوم العقل السينمائي مع مشاعره وتفكيره، موجود لكي ينتج مصطلحات تتيح عيوناً أكثر قوة من الناحية الجمالية. إن الكتابات موجودة لكي تساعد القارئ على أن يرى السينما كتفكير وليس كتكنيك، وهدف هؤلاء الفيلموسوفيين وهدف الكتابة التي تعتمد على فنون الأداء، هي التأثير على القارئ، وأن تجعله يشعر بأثر الفيلم على الكاتب، وكل فلسفة فيلموسوفية تضيف لطريقة القارئ في الانتباه، وتتيح الكلمات التي من خلالها يمكن للمتفرج أن يعيش الأفلام التي سوف يراها في المستقبل.[4]

----

المراجع:

[1] الفيلموسوفي نحو فلسفة للسينما، دانييل فرامبتون، المركز القومي للترجمة، ص 34.

[2] السينما والفلسفة (ماذا تقدم إحداهما للأخرى)، داميان كوكس ومايكل ليفين، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 17- 18- 19.

[3] السينما وعلم النفس علاقة لا تنتهي، سكيب داين يونغ، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، ص 31- 36- 37- 95.

[4] الفيلموسوفي، مرجع سابق، ص 268- 275- 276- 280.