تناول الكاتب فتح الله أنطون الصايغ في مخطوطه (المقترب في حوادث الحضر والعرب) الذي انتهى منه عام 1845، عدة مواضيع تخص بلاد الشام، ومن ضمنها العلاقات السيئة بين القبائل البدوية مع الدولة العثمانية، وانعكاسها السلبي على بلاد الشام بشكل عام، ومن ضمنها مدينة "سليميا" (سلمية) من خلال سرده لأحداث قصة جرت فيها، تعود غالباً لما قبل عام 1800 ميلادي.

ويأتي تحقيق الكاتب نزار كحلة، ليثبت أن سلمية لم تكن مهجورة في تلك الحقبة من الزمن كما يشاع عادة، كما يبرر للفرمان الذي صدر لبنائها في عام 1848م. ويعالج الكتاب جزءاً مقتطفاً من مذكرات لرحالة قام بتدوين ما شاهده في بلاد الشام من عادات وتقاليد سكانها من العرب والأعراب (البدو) إضافة إلى ما شاهده وعرفه شخصياً من أحداث رافقت دخول إبراهيم باشا إلى سورية، وممارساته فيها وأسباب خروجه منها، وذلك حسب تقييمه، وعلاقة الأعراب مع الدولة العثمانية في بلاد الشام، ويذكر مدينة سليميا ويذكر الأسباب التي جعلتها خراباً حتى تاريخ المذكرات (1842، 1845) أي قبل 3 سنوات من بنائها الحديث عام 1848.

فتح الله الصايغ بن أنطون

ولد فتح الله الصايغ بن أنطون في حلب 1790 وعمل بالتجارة التي أوصلته لجزيرة قبرص، ولكنه خسر تجارته بسبب تضارب السياسات الدولية، وعانى العوز بعدها حتى التقى عام 1809 الرحالة المالطي تيودور لاسكاريس دي فنتميل، وهو الشخص الذي أرسل من قبل الفرنسيين بعد خروج نابليون بونابرت من مصر بعد فشل حملته 1801، ورغبة نابليون الوصول إلى الهند براً، والتنسيق ما بين لاسكاريس وأنطون بن فتح الله، لكسب الأمراء العرب والأعراب، والذي قبل المهمة مقابل تجارة رابحة. وبدأت الرحلة 1810، وانتهت 1814، وترجمت المذكرات على يد الشاعر الفرنسي "لامارتين" وصدرت في الجزء الرابع من كتابه (رحلة إلى الشرق) 1835، وكرمت الحكومة الفرنسية الرحالة فتح الله على خدماته وعينته وكيلاً في قنصليتها بحلب 1847.

المقترب في حوادث الحضر والعرب

هو مخطوط مترجم من الفرنسية إلى العربية (عرب 1685) ويتألف من 99 ورقة، في 198 صفحة، يقع في 3 فصول عن سوريا (عرابيا) في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فالقسم الأول: عن أحوال العرب في المنطقة الوسطى، والقسم الثاني: عن سكان جبال الساحل السوري وعاداتهم وتقاليدهم، والقسم الثالث عن أوضاع بلاد الشام إبان حكم إبراهيم باشا لبلاد الشام ما بين 1831، و1840 وأسباب خروجه منها.

الجزء المقتطع من المخطوط

وهو الجزء الذي يذكر مدينة سليميا، ويتحدث عن سوء استخدام الإدارة العثمانية لخيرات بلاد الشام التي يسميها (عرابيا) ويقصد البادية (الجول) حيث تعيش القبائل البدوية وعن علاقاتهم السيئة والبعيدة كل البعد عن الثقة مع العرب، والأعراب البدو، حتى اضطر بعضهم للرحيل إلى مناطق بعيدة عن مصر.

عن مدينة سليميا بدأ الكاتب الحديث كأنموذج عن البلاد ذات الخيرات الوفيرة والمناخ الجيد والتي تخربت نتيجة العلاقة السيئة بين الأعراب البدو والعثمانيين. ويقول: "وقد وجدت بلداً عظيمة خراب، يقال لها سليميا تبعد عن مدينة حماه نحو مسيرة يوم فقط لناحية شرق وشمال، قد دورت جميع أراضيها وميزتهم ونظرت بها أراضي جيدة جداً ومجاري مياه عذبة ومناخ صحي، ولكن خراب بالكلية ما بها شيء عامر قطعاً، وهي بلد قديمة معروفة عند أهالي حماه وحمص وغيرهم مشهورة بالمناخ والمنتزهات".

المخطوط الخاص بسلمية

يبدو أن الرحالة فتح الله الصايغ الحلبي يركز على سوء إدارة الوالي العثماني "أصلان باشا" لمدينة سلمية، ورغبة البدو في أن تبقى متاحة لهم يدخلونها متى يشاؤون فلا أسوار تمنعهم ولا حكومة تردعهم، وأكد على مذبحة القلعة عام 1811م ثم قتل الباشا حرقاً بعد تعذيبه على يد نساء الأمراء الذين قتلهم الباشا سابقاً بمكيدته.

على الرغم من عدم اهتمام فتح الله الصايغ الحلبي في ذكر تواريخ الأحداث وأسماء أشخاص معروفين لدينا وحتى غير معروفين، إلا أن الأحداث الواردة في المخطوط حول مدينة سلمية يحمل الكثير من الفائدة، فهي بعيدة عن الذاتية والتأكيد على عظمة مدينة سلمية. وهذا ما تؤكده المباني التاريخية والأثرية الكثيرة الموجودة اليوم سواء داخل المدينة أو خارجها، خاصةً العدد الكبير من الكنائس والتلال الأثرية والأقنية المائية، وجمال المدينة بمناخها وخصوبة أراضيها وكثرة ثمارها وإعطاء سبب تسمية جديدة يمكن أن تضاف إلى احتمالات تسميتها (المثل مية) لخصوبة أرضها فالحبة تعطي مئة حبة، والتأكيد على عمل الأقنية المائية وأهميتها في ري وسقاية سكان المدينة، فقد تم قطع هذه المياه كنوع من أنواع حصارها وهي العامرة بالسكان خلال الحكم العثماني لها خاصة في القرون 16، 17، 18 للميلاد ما يتعارض مع ما يشاع عن تلك الفترة من خلوها من السكان. بالإضافة إلى وجود سور منيع يحيط بها قادر على حمايتها من هجمات البدو الذين لم يدخلوها إلا بالحيلة بالتعاون مع أحد أبنائها "فاضل ابن التدمري" الذي فتح ثغرة في السور من سور منزله وهو يعود إلى القرنين الـ 17 و18 للميلاد، وهذا ينفي ما يشاع عن هجران المدينة بعد اجتياح تيمورلنك عام 803 هجري، 1401 ميلادي، بالإضافة إلى اهتمام السلطان العثماني بسلمية عندما سمع بمحاصرة البدو لها، فقام بإرسال أورطة مليكانية لفك الحصار عنها".

نزار كحلة، مواليد سلمية 1970 معهد متوسط في العلوم الصحية اختصاص تخدير وإنعاش 1992، إجازة في الآداب قسم التاريخ في جامعة "دمشق" 2005، 2006، يعمل في مجال البحث في تاريخ الشرق العربي القديم.

----

الكتاب: "سليميا" في المقترب في حوادث الحضر والعرب

الكاتب: نزار كحلة

الناشر: دار باكير، سلمية، 2022