المسكن هو المكان الهادئ اللازم ليركن الإنسان إلى نفسه ويخلو بها، وهو سره ومخزنه ومأواه وسلوته، يسكن إليه ويأنس به وتقضى به حاجات لا تقضى في مكان آخر.

بدأ الكاتب محمد خالد رمضان كتابه "المسكن في التراث الشعبي الشفاهي" بأهمية المسكن والدور الذي يقوم به، وأنه احتل مكانة كبيرة عند كل إنسان. لذلك كانت له مكانة في عدة مجالات من التراث الشعبي المنقول شفاهة، حيث تناول الفصل الأول: المسكن في الأغنية الشعبية؛ إذا تعتبر الأغنية سفيراً متجولاً في أنحاء البلاد العربية ومشهورة ومنتشرة، وتصل إلى أماكن عديدة، وتتخطى الحدود وتسافر بعيداً، كأنها شاشة مصورة تقدم مشاهد عديدة لموقع المسكن فيها. تنوعت الأغنية في معظم المحافظات السورية في الريف والمدينة والجبل والسهل مقدمة أحد عشر لوناً هي: الهجيني، العراضات، اليغبوني، الفن، سكابا، دلعونا، الهوارة، اللّيا، الموليا، فيّا منديلك فيّا، عالقالوا وهيقالوا.

مثال أغنية دلعونا:

على دلعونا وقلبي شو معذّب

حبّي شبكني بعذابي تسببْ

حطني ببيتي وبلّشْ يتهرّبْ

الله يجازيهنْ يللي نسيونا

البيت مكمل والبيت مكمل

وأنا ناطركن من عام عمنوّل

يا أسمر اللون ليش ما عم تسألْ

ليش هيك عملتوا يللّبكتونا

حملت الأغنية الشعبية آمال الإنسان وآماله وكل كوامن النفس خلال تعبيرات البيت ومعانيه وزخرفته، فهي خزّان مليء بذاكرته الجماعية، وتحمل معاني تعيش معنا ونعيش معها.

أغنية فيّا منديلك فيّا:

فيّا منديلك فيّا

من دوما لداريا

فيّا منديلك فيّا عالبيت

وإن تمتلك ما لقيتْ

بيتَكْ مليانْ دبسْ وزيتْ

ومينْ غيركْ عندو غيّا

تناول الفصل الثاني: المسكن في الأمثال الشعبية. تعد الأمثال الشعبية خلاصة حكمة الشعب وتجاربه خلال حياته المستمرة منذ آلاف السنين. والمسكن أحد هموم الإنسان الأساسية، فكل همومه وأحاديثه ترتكز حول المسكن وكيف يؤمنه؟ وكيف يأنس به؟ وماذا يوجد في المسكن؟ وكيف وصل إلى تدبيره؟ وعلاقته مع ساكنيه ومع البيوت الأخرى (الجوار) وحدوده وتقسيماته؟

من هذه الأمثال: البيت الضيق، بيسع ألف صديق.

البيت اللي ربّاني، ما راح وخلّاني.

اللي بيطلع من دارو، بيقل مقدارو.

يا جاري إنت بدارك، وأنا بداري.

اللي بدو يعمل مختار، بكبر باب الدار.

تناول الفصل الثالث: المسكن في الكنايات والمصطلحات الشعبية. أخذت الكنايات المسكن في كل حالاته وظروفه الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والعائلية والمعمارية والمناخية، وكيفية ذلك المسكن وعلاقاته. ويمكن أن تعبر الكناية عن غنى المسكن واتساعه، حيث يشير المتحدث بيديه ويفتحهما ويمد عينيه على اتساعهما حتى يوحي للسامعين ويقدر مدى هذا الغنى. أما في حالة ضيق المنزل وفقره فإنه يضيف إشارة بيديه وفمه ووجهه يفهم منها السامع مدى الفقر. فالإيماءات تضيف إلى الكناية مدى البؤس والفرح الذي تشرحه وتصوره وتكنى عنه، ومن هذه الكنايات:

الدار اشتاقت لأهلها: وهي عبارة عن تقدير مدى الحنين الذي يحسه الإنسان الغريب عن وطنه وأهله وبيته، وأن الدار اشتاقت إليه لأنه الغائب عنها لسنين وأيام.

دار سياحة نياحة: هي الدار الواسعة الفسيحة التي تسع أناساً كثيرين، وهذا دليل على إمكانية أصحابها ومقدرتهم على البذخ والترف.

دار عم تصفر صفير: هي الدار التي تخلو من كل شيء حتى من الجماد، فهي فارغة تماماً، ولم يدخلها أحد منذ عقود وتنتشر الكآبة بين أرجائها.

بيت أهلي عم يندهلي: كناية تقولها الزوجة لزوجها إذا جرى خلاف بينها وبينه، فهي تعتز وتفخر ببيت أهلها، فهي لا تهتم لتهديدات زوجها.

تناول الفصل الرابع: المسكن في التشابيه الشعبية. التشبيه الشعبي يشبه المثل، ولكنه يختلف عنه كثيراً في بنائه ودلالاته ومعانيه وبنيته اللفظية، فالتشبيه قصير وألفاظه قليلة، والمثل طويل وألفاظه كثيرة، والتشبيه هو للمقارنة والتماثل والتشابه، بينما المثل للحكمة والأمثولة.

وختم الكاتب كتابه بالتناويح الشعبية التي تناولت المسكن. النوح بشكل غنائي على المتوفي، على الغائب، على الذات، وعلى المصائب الأخرى التي تصيب الإنسان.

----

الكتاب: المسكن في التراث الشعبي الشفاهي

الكاتب: محمد خالد رمضان

الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2011