يرى الدكتور جميل صليبا أن الفلسفة العربية قد تأثرت بالفلسفة اليونانية، فنسج الفلاسفة العرب على منوال أفلاطون وأرسطو وأفلوطين، وأخذوا عنهم معظم آرائهم ونظرياتهم، لكن هذا التأثير لم يُخفِ الملامح الخاصة لفلاسفة العرب.

الفلسفة العربية هي فلسفة عقلية كالفلسفة اليونانية، لأن معظم فلاسفة العرب يعتقدون أن العقل قادر على إدراك الحقيقة، وأن النفس التي تجردها ماهيات الموجودات من اللواحق الحسية والصور المتخيلة تستطيع في نظرهم أن تغلب هذه الصور إلى معقولات كلية بتأثير ما يطلقون عليه "العقل الفعال".

كذلك فإن معظم فلاسفة العرب يؤمنون بوحدة المعرفة والحقيقة، ويقولون بمطابقة ما هو موجود في العقل لما هو موجود في الأعيان، كما أن كمال الشيء بالنسبة إليهم هو مقياس وجوده.

النقل إلى العربية

والفلسفة العربية لم تنشأ عن مجرد الكشف عن الكتب الفلسفية القديمة، ولا عن مجرد الاتصال المباشر بين العرب واليونان، بل نشأت عن عدة مصادر متكاملة بالتدريج بعد استقرار الدولة العربية واتساع سلطانها، واستحكام أسباب الحضارة فيها.

ولقد بدأ نقل الكتب اليونانية إلى اللغة العربية في أوائل القرن السابع للميلاد، لكنه لم ينشط إلا في أواخر القرن الثامن، ولم يبلغ ذروته إلا في القرن التاسع.

وأول نقل في الإسلام تم في عهد خالد بن يزيد بن معاوية؛ حيث أمر بنقل بعض كتب الكيمياء من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي. كذلك أجاز عمر بن عبد العزيز نقل بعض كتب الطب. وهذه الترجمات التي تمت في عهد بني أمية، لم تكن سوى مقدمات لحركة النقل الكبيرة التي انتشرت في الدولة العباسية.

وفي عهد المأمون نشطت حركة الترجمة نشاطاً كبيراً، وشملت كتب الرياضيات والطبيعيات والمنطق والإلهيات والأخلاق. ولولا قيام المأمون بتأسيس "بيت الحكمة" عام 823 للميلاد، لظل نقل الكتب عملاً فردياً مبدداً.

ومن مشاهير النقلة يحيى بن البطريق والحجاج بن مطر وعبد المسيح بن ناعمة الحمصي ويوحنا بن ماسويه وحنين بن اسحق العبادي وقسطا بن لوقا البعلبكي واسحق بن حنين وأبو بشر متى بن يونس القنائي وأبو زكريا يحيى بن عدي وأبو علي بن زرعة.

ومن أهم كتب أفلاطون المنقولة إلى العربية: كتب السياسة والنواميس وسوفسطس وطيماوس والمناسبات وأصول الهندسة وآداب الصبيان.

أما أهم كتب أرسطو المنقولة إلى العربية فهي كتبه في المنطق والطبيعة والإلهية والخلقية. وقد حلت كتبه المحل الأول عند العرب، إلا أن مذهبه وصل إليهم مشوهاً وممزوجاً بعناصر غريبة عنه بحسب د. صليبا.

أعلام الفلسفة العربية

يُعتقد أن الكندي هو من وضع حجر الأساس في صرح الفلسفة العربية، وبفضل عنايته ظهر في اللغة العربية ما ظهر من أنواع العلم وأصناف الصناعة، ولولاه لما راجت الفلسفة في الإسلام، كما أنه كان إماماً محيطاً بجميع علوم عصره مع جودة عقله وحسن تمييزه ولطف نظره.

ومن أعلام الفلسفة العربية: الفارابي، الذي لم يدع علماً من العلوم إلا أحاط به، حيث كان أفهم فلاسفة الإسلام وأذكرهم للعلوم القديمة، وقد أنشأ الفارابي مذهباً فلسفياً كاملاً، وقام بالدور الذي قام به أفلوطين في الأفلاطونية الحديثة، وقد لُقب "المعلم الثاني".

كذلك ابن سينا الذي لم تستطع الاضطرابات السياسية ومشاغل الحياة العملية أن تضعف من عزمه على متابعة نشاطه العلمي، وقد بلغ عدد الكتب التي صنفها في كل فن 276 كتاباً ورسالة.

أما أبو العلاء المعري فله كتب ورسائل كثيرة في الشعر والأدب واللغة وغيرها، ومن كتبه "سقط الزند" و"اللزوميات" أو "لزوم ما لا يلزم" و"رسالة الغفران" ورسالة "الملائكة" ورسالة "ملقى السبيل" وغيرها.

ومن أعلام الفلسفة العربية أيضاً الغزالي الذي كتب في الفلسفة والمنطق والأخلاق والتصوف وفي العقائد والفقه والأصول. ولقد ترك الغزالي أثراً عميقاً في تاريخ الفكر العربي، حيث كان ذا مذهب فلسفي خاص تميز فيه بالبحث عن اليقين بطريق المعرفة الداخلية.

وبرز أيضاً من أعلام الفلسفة العربية في المغرب ابن باجة وابن طفيل وابن رشد وغيرهم.

----

الكتاب: تاريخ الفلسفة العربية

الكاتب: الدكتور جميل صليبا

الناشر: الشركة العالمية للكتب