حمص، هي جذر كنعاني يعني "الخجل"، وربما جاء من اللون الأحمر و(التحميص) كما ورد في كتاب "حمص دراسة وثائقية في الحقبة من /1840/ إلى /1918/م" لمؤلفَيه محمود عمر السباعي ونعيم سليم الزهراوي.

من المعلوم أن الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط تعرضت منذ منتصف القرن /15/ ق.م إلى غارات شعوب البحر عليها، ولعلّ منطقة حمص اللبنانية تعرضت لإحدى هذه الغارات، وأن الناجين منها اتجهوا شرقاً بشمال التماساً للأمن، وأقاموا في المنطقة الوسطى من سورية في موقع حمص الحالية، وربما دعوها بـ "حمص" ليعبروا عن تعلقهم بموطنهم الأول بحسب ما أشار إليه الكتاب.

عبر التاريخ

بدأ نجم حمص يسطع شيئاً فشيئاً منذ القرن الثالث ق.م، ولا تزال بعض الكتابات اليونانية موجودة فيها، ومنها الكتابة المنقوشة على حجر البازلت الأسود الذي يعلو مدخل جامع "أبو لبادة" في حي "بني سباعي"، وكان ذلك في عهد السلوقيين. ولما ضعف أمر السلوقيين قامت في حمص إمارة عربية توالى الحكم فيها ثمانية أمراء، وعُرفت تلك الأسرة باسم أسرة "شميسغرام" نسبةً إلى مؤسسها وثاني حكامها.

وفي العهد الروماني نعمت حمص برعاية خاصة، حيث كانت في عهد دوميسيان مركزاً عسكرياً هاماً، وفي عهد هادريان قُسمت سورية إلى قسمين سورية الفينيقية عاصمتها صور، وسورية المجوفة مركزها حمص، كما حصلت على منتهى الرعاية عندما وصلت الأسرة السيفيرية إلى الحكم، وقد أنجبت حمص في عهد هذه الأسرة أحد كبار المشرعين وأساتذة القانون في معهد الحقوق الذي أنشأه سبتيموس وهو العالم "أميليوس بابنيانوس" أحد أقرباء الإمبراطورة جوليا دومنا.

وشاركت حمص في الأحداث التاريخية التي جرت في عهد الأمويين فالعباسيين، وعندما ضعفت الدولة العباسية انتقلت حمص إلى أيدي الطولونيين فالإخشيديين فالحمدانيين.

وبعد أن توطدت أركان دولة الترك في بغداد في عهد أرطغرل اتجهوا نحو بلاد الشام حيث استخلص (تاج الدولة تتش) حمص من خلف بن ملاعب آخر الحكام المرداسيين، وبقيت في يده حتى مقتله فخلفه ابنه (تاج الملوك رضوان) وكانت حمص تابعة له.

ومن السلالة الأيوبية كان أسد الدين شيركوه أول من ولي حمص، خلفه ابنه ناصر الدين محمد الذي بقي فيها حتى وفاته، فخلفه ابنه أسد الدين شيركوه الثاني ومن بعده ابنه المنصور إبراهيم خلفه ابنه الأشرف موسى.

لكن في عهد المماليك انحطّ شأن حمص بفعل الحروب الصليبية والغزو المغولي ومرض الطاعون الهائل بالإضافة إلى فتن الأعراب وثورات الروم والزلازل، وقد استمر الأمر على هذا النحو حتى مجيء العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول الذي قضى على حكم المماليك في الشام، وبعد مجيء إبراهيم بن محمد علي حاكم مصر ساد "حمص" الهدوء، وانتشر الامن وانتعشت قراها الشرقية وتحسنت اقتصادياتها.

حمص القديمة

ولقد كان يحيط بـحمص سور من الحجارة البازلتية له شكل منحرف غير منتظم، قاعدته الصغرى (الجنوبية) تمتد بين باب الدريب وباب السباع، أما قاعدته الكبرى (الشمالية) فتمتد بين باب تدمر شرقاً وبرج جامع الأربعين غرباً، وضلعه الشرقي يمتد بين باب تدمر شمالاً وباب الدريب جنوباً، ويمتد ضلعه الغربي بين برج جامع الأربعين شمالاً وباب التركمان الملاصق للسفح الشمالي الغربي للقلعة.

ومن أبواب حمص أيضاً باب الرستن (باب السوق)، والذي عُرف سابقاً بباب (المغلاق)، أيضاً باب هود في الجهة الغربية قرب مقام النبي هود.

تراث ومواسم

ومن أبرز الأكلات التي اشتهرت فيها حمص (المجدرة والكبة واللبنية والشاكرية والمحاشي) وهي أكلات تراثية، ومن حلوياتها (الحريرة والحلاوة الحمرا والفواشات والقطائف والفطاير أي "الشعيبيات" والكنافة والاستمبولية والمبرومة)، ويعتبر الخبز المرافق الرئيسي للأكلات الحمصية، وقد كانت تقدم في صحن واحد كبير يوضع في صدر نحاسي أو طبق من القش، أما للطهو فقد استخدم أهل حمص موقد (الحطب أو الجلة)، في حين استخدم أغنياء المدينة طباخ الفحم الشجري لطهو مأكولاتهم.

أما المواسم في حمص فترتبط بـ (الخمسانات) وأصلها قديم، والخمسانات هي سبعة أخمسة (خميس التايه وخميس الشعنونة وخميس المجنونة وخميس القطاط)، أما الأخمسة الثلاثة التالية فهي (خميس النبات وخميس الأموات "الحلاوة" وخميس المشايخ)، ولكل خميس تقاليده.

وإلى جانب الاهتمام بإحياء المواسم يولي أهل حمص أهمية خاصة للاحتفال بأعياد الفطر (الصغير) والأضحى (الكبير) وعيد المولد النبوي وأعياد الفصح وميلاد السيد المسيح.

----

الكتاب: حمص دراسة وثائقية في الحقبة من 1840- 1918

الكاتب: محمود عمر السباعي ونعيم سليم الزهراوي