إن الفلسفة هي التي تفتح عيوننا على معنى وجود العالم ووجودنا، وتضع أيدينا على ما فيهما من إشكال في ذاته، إلى الحد الذي نكف معه إلى الأبد عن التماس الحلول أو وضعها في صيغةٍ مريحة أو قالبٍ ثابت.

الفلسفة ليست مجرد إجابات تحفظ، فقد انتقل بنا الكتاب من اليونان منبع الفلسفة، وتجول في فكر بارمنيدس وهيراقليطس وسقراط وأفلاطون وأفلوطين، ومن العصور الوسطى بوئتيوس مروراً بباسكال ونيتشه وهايدغر إلى ألبير كامو من العصر الحديث بأسلوب أدبي بديع وبسيط.

يشير الكاتب عبد الغفار مكاوي في كتابه "مدرسة الحكمة" إلى أن الفلسفة هي مجموعة من المشكلات والأسئلة التي تختلف من عصر إلى عصر في أسلوبها وطريقة صياغتها والإجابات التي يحاول أبناء كل جيل أن يقدموها لها، ويعكسوا على مرآتها أفكارهم وهمومهم وضعفهم وقوتهم وأحلامهم وأشواقهم وتخريفهم وسخفهم.

يضم الكتاب حوالي ثماني أبواب، يحاول من خلالها الكاتب أن يبحث عن الحكمة من خلال وضع الفلسفة في إطارها التاريخي، حيث عرض المشكلات والأسئلة التي وقفت كعثرات في عصرها، وقام الفلاسفة بالإجابة عليها حسب منطق كل واحد منهم من خلال صياغتها بأسلوبهم الخاص لتعبر كل إجابة عن عصرها.

وأوضح الكاتب من خلال كتابه منهج التفلسف والوعي التاريخي والوعي التعاصري، وبين أيضاً سمات الفلسفة الخالدة من خلال عدد من النقاط وهي: فلسفة تساؤل لا أجوبة، وفلسفة ذات طابع وجودي، وفلسفة ذات طابع أخلاقي، وفلسفة ديمقراطية. فالفلسفة طريق صاعد إلى الحكمة وشوق دائم إليها، وكلما ازددنا تفلسفاً؛ ازددنا توغلاً في هذا الطريق الموحش الوحيد، هذا الطريق الصاعد هو الذي نسميه عادةً بالتكتيك وكلما ازداد نصيبنا من التفلسف ازداد حظنا أيضاً من هذا الديالكتيك.

كما انتقل الكاتب من فلسفة هيراقليطس كونه آخر الفلاسفة المعروفين بالأيونيين وأكبرهم، حيث جذبت شخصيته العجيبة المفكرين على مدى العصور، وتمثلت فيه غضبة المفكر الذي يدق ناقوس الخطر ليوقظ النيام ويرفع عصاه ليعيد موكب الجماهير إلى منبع الحكمة، حيث يرى إن الكل يصدر عن الواحد، كما أن الواحد يصدر عن الكل، كلاهما مرتبطٌ بتجانسٍ وانسجامٍ متبادل، وكلاهما متفقٌ ومختلفٌ في آنٍ واحد، ولن نتبين العلاقة بينهما حتى نفهمهما فهماً ديالكتيكياً، ثم انتقل الكاتب إلى كهف أفلاطون الذي رمز له بصورة تجمع بين صدق الشعر ووضوح المنطق، إنها التعبير الحي عن الخير الأسمى ومصدر العدل والجمال كله.

باللإضافة إلى أن الكاتب عبد الغفار نوه إلى أن أفلوطين هو الجسر العظيم الذي انتقلت عليه الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة المسيحية والإسلامية في العصور الوسطى، وكان اتجاهه إلى الباطن هو الخطوة الحاسمة الأولى على طريق التصوف الطويل، كما عرفت فلسفة الوجود عند هايدغر حسب قوله (وجود الإنسان بأنه موجود في العالم)، ففي زمنٍ يطغى عليه ضجيج الآلة، ويكسر جناحيه الخوف من المصير، لا تكاد كلمة باسكال (تعلَّموا أن الإنسان يعلو على الإنسان علواً غير متناهٍ). ويرى الكاتب من الصعب أن نتتبع الحركات اللامعقولة في التاريخ الحديث لندرك إلى أي مدى انحرفت إلى التطرف ونسيت الحدود، لكن يجب أن نقف عند بعضها وقفةً قصيرة قد تعيننا على تبين ما نسمِّيه بالحد والاعتدال، وأول ما يخطر على البال هو نيتشه فيلسوف الإرادة والقوة والإنسان الأعلى، والعبقري الذي دفع ثمن عبقريته بالدم والألم والجنون. وركز الكاتب على إننا نحن أبناء العصر الحديث (أنصاف البرابرة) أشبه بالفارس الذي يمتطي صهوة جواد راكض إلى الأمام، نترك زمام اللجام يسقط أمام اللامتناهي، ولا نشعر أننا في قمة السعادة إلا حيث نكون في قمة الخطر.

وذكر الكاتب في أحد أبواب الكتاب القصائد التي تعبر عن قدر نيتشه في المرحلة الأخيرة سميت بأناشيد "ديونيزيوس"، كما تناول الكاتب لوحة رافائيل التي رسمها عام 1509-1510 وعرفت في تاريخ الفن باسم "مدرسة أثينا" الذي حاول المفسرون على مر القرون أن يروا فيها صورة تعكس تاريخ الفلسفة، بينما رأى العصر الحديث فيها لوحةً نفسية تحررت من قيود المكان والزمان عبَّر فيها الفنان عن مغامرة الفكر المجرد، استطاع رافائيل أن يبدع هذه الملحمة الهائلة التي تزدحم بالحكماء على اختلاف نماذجهم وأشكالهم.

----

الكتاب: مدرسة الحكمة

الكاتب: عبد الغفار مكاوي

الناشر: مؤسسة هنداوي، 2018