يذكر أحمد بن إبراهيم الصابوني في كتابه "تاريخ حماه" نقلاً عن ابن جبير "إن مدينة حماه تقع في وهدة من الأرض عريضة مستطيلة كأنها خندق عميق، يرتفع لها جانبان إحداهما كالجبل المطل، والمدينة متصلة بسفح ذلك الجبل، والقلعة في الجانب الآخر في ربوة منقطعة مستديرة، والمدينة السفلى تحت القلعة متصلة بالجانب الذي يصب النهر عليه، وكلتا المدينتين صغيرتان، وسور المدينة العليا يمتد على رأس جانبها العالي الجبلي، وللمدينة السفلى سور يحدق بها من جوانب ثلاثة لأن جانبها المتصل بالنهر لا يحتاج إلى سور، وعلى النهر جسر كبير معقود بصم الحجارة يتصل من المدينة السفلى إلى ربضها".

لقد كان بنيان محلة المدينة أوسع وأعظم، وأسواقها حافلة أكثر من أسواق محلة باب الجسر، وكانت جامعة للصنائع الضرورية، وكان بين القسمين طريق مما وراء القلعة من البستان تسمى الآن ببستان الخضر، ثم امتد العمران لجهة الحاضر، فحدثت محلات عديدة. كما امتد البنيان في زمن نور الدين الشهيد حتى المحل المسمى باب حمص. أما مكان السوق فقد كان مرتفعاً من جهة الشمال ومنخفضاً من جهة القبة، وكان الماء إذا طغى جاء فعمل كالبحر في القسم المنخفض منه، فلما ضاقت البلد بالسكان مشى الناس بالبنيان إلى موضع السوق، فبنوا البيوت وبعض الحوانيت، ولما ولي الملك المنصور حماه بني هذا السوق وكان يعرف بسوق المنصورية.

ويحد حماه من الشرق سلمية فتدمر، ومن الشمال المعرة، ومن الغرب مصياف فجبل الكلبية، ومن الجنوب الرستن فحمص. وفي شمال حماه جبل يسمى جبل زين العابدين فوقه جامع باقٍ حتى الآن، وكان حول الجامع قرية تهدمت واستُعيض عنها بقرية تحت الجبل، وفي جانب الجبل جبل صغير يسمى كفر راع، وفي شرقه جبل كبير يسمى كيسون، وفي جنوبه جبل كبير آخر يسمى الأربعين.

معالم حموية

أما نواعير حماه فصنعها الرومان، والموجود منها الآن ضمن البلد في جهة الشرق أربع "اثنتان تسميان العثمانيات، واثنتان وهما الأكبر تسميان البشريات"، ثم عند جسر السرايا أربع نواعير "الجسرية والمأمورية والمؤيدية والعثمانية"، ثم عند جسر بيت الشيخ ثلاث نواعير "أكبرهن تسمى الجعبرية، وأمامها ناعورة الصهيونية، وناعورة صغيرة تسمى الكيلانية" وفي غربي باب الجسر ثلاث نواعير "أكبرها ناعورة الخضر، وفي جانبها ناعورة الدوالك، ويقابلهن ناعورة الدهشة"، وفي باب النهر ناعورة كبيرة جداً تسمى "المحمدية"، ووراءها ناعورة "المقصف"، ثم ناعورة "العونية"، ثم ناعورة "البركة"، وقد أكثر الأدباء من ذكر النواعير نظماً ونثراً مع التورية الجميلة.

ولحماه إحدى وثلاثون رحى للطحن يسيرها الماء ومنها "الغزالة والمسرودة والحلوانية والقاسمية والحجرين والعونية"، ومن جسور حماه "السرايا وبيت الشيخ وباب الجسر والمحمدية".

أما المدارس فيها فقد كانت كثيرة لم يبقَ منها واحدة وهي "الخاتونية والطواشية والبارزية والعصرونية والحنفية والشيخة والمظفرية والمارستان" ومن حماماتها "حمام الذهب والقاضي والأدربك والدرويشية والأسعدية والحلق والعثمانية والمؤيدية والشيخ والسلطان".

وحماه منطقة زراعية، وموارد زراعتها من الحنطة والشعير والذرة البيضاء والصفراء والحمص والعدس والعنب والبطيخ بنوعيه، والصوف والسمن والغنم والكمون، واللبن الخاثر والحليب واللحم، أما الصنائع فلا تمتاز حماه عن غيرها إلا بما هو مسمى بـ "البياض"، وبعض المنسوجات الحريرية.

أفاضل حماه

ومن أبرز أفاضل حماه ممن ذكرهم المؤرخون الملك المظفر وهو صاحب الأوقاف والمدارس الكثيرة فيها، والملك المنصور الذي ازدهرت حماه في أيامه بالعلم، وكان له باع طويل في التأليف، والملك المظفر محمود وقد بنى أبراجاً فلكيةً وطاحوناً على نهر العاصي بصورة هندسية، كما كان عالماً بالنجوم، أيضاً أبو الفداء وكان عالماً عظيماً شهماً فاضلاً، والسلطان حسن صاحب الخبرات والمبرات ومن آثاره جامع السلطان وجامع الحسنية، كذلك شيخ الشيوخ "شرف الدين عبد العزيز الأنصاري بن محمد بن عبد المحسن" الذي برع بالعلم والأدب وكان من الأذكياء المعدودين وله محفوظات كثيرة، ومن أفاضل حماه أيضاً "ابن بكران والشيخ مسلم والبرمكي والحموي وابن رزين وابن أبي الدم وابن الفقيه وابن بركات وقاضي القضاة ابن واصل" وغيرهم.

----

الكتاب: تاريخ حماه

المؤلف: أحمد بن إبراهيم الصابوني

الناشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة والنشر