يشمل الأدب العربي الحديث على اتجاهات متعددة أبرزها الرومانسية والواقعية، إذ وجدت الواقعية مجالاً للشيوع في ضوء المشكلات الصعبة التي تعاني منها المجتمعات العربية، وفي المقابل انحسرت الاتجاهات الرمزية والتجريدية التاريخية أمام هيمنة الرومانسية والواقعية.

حفل المشهد الروائي بإسهامات جديدة منها اتجاه ما يمكن تسميته بالاتجاه التعبيري الذي يمعن في تصوير جماليات الجسد واللغة والإحساس، ويمكن تصنيف أدب الخيال العلمي الذي نهض على يد نهاد الشريف وطالب عمران وغيرهما ضمن الاتجاهات الروائية الصاعدة في المشهد الروائي العربي المعاصر.

خصائص النص

ولعلّ أهم تطور يمكن ملاحظته في نصوص أدب الخيال العلمي، يتركز حول اللغة الروائية، إذ تخلصت من جميع ألوان الإنشاء، كما انفلتت من سطوة المنشئ البيانية، وهجرت الأساليب المواربة، وجانبت التعبير المنمق لتخلص لها لغة مباشرة تخاطب العقل بالحجة والبرهان والأسلوب العلمي الذي ينقل الحقائق من دون زيغ. لذا كانت اللغة السردية والحوارية في النص العلمي ممهورة بإنجازات العلم، وهي لا تترك في نفس المتلقي خيالات تثري إحساسه بجماليات الأسلوب من حيث القدرة على التعبير عن الأحداث بصورة فنية أو عبارات شعرية، بل تروم تأسيس ثقافة علمية لدى القارئ وتسعفه على فهم ما يدور في عالمه، كذلك تحقنه بمعارف دقيقة يستطيع من خلالها فهم منطق العلم الحديث.

ويسعى أدب الخيال العلمي إلى تخليص الإنسان من النتائج السلبية للتكنولوجيا بطرق تأسيس ثقافة علمية لا تبتغي أن يتخذ الإنسان موقفاً مضاداً للعلم، كما صنع الرومانسيون حين دعوا إلى التحرر من سلطة العقل والهروب إلى الطبيعة، بل أرادوا أن يبصر الإنسان سلبيات العلم وإيجابياته، ذلك لأن للعلم جوانب تتحقق على حساب سعادة الإنسان. ومع هذه الاختلافات التي يمكن أن تنهض فارقاً جوهرياً بين النص في أدب الخيال العلمي ونصوص الأدب التقليدي، إلا أن هنالك أدبية تتحقق في النص العلمي من جهة الإدهاش ومن ثم توسيع آفاق التخيل عند المتلقي.

ويتوجه الخطاب في نصوص الأدب العلمي إلى الشرائح الفتية المثقفة ثقافة علمية معاصرة، وهو خطاب يحاكي أنماط التفكير العلمي الذي تنطوي عليه التخصصات العلمية المختلفة في المعاهد والجامعات. ويمكن الاعتماد على الأدب العلمي في تغيير الواقع الثقافي والاجتماعي للخلاص من القوالب التقليدية التي تقدم فيها الثقافة نفسها وتنتهي رحلة الانكماش التي ولج فيها العقل الاجتماعي في محاولة لتأسيس مجتمع المعلومات، وعليه يمكن أن تتغير تبعاً للثقافة العلمية أوضاع المجتمع العربي لا سيما في نظرته إلى العمل والمعرفة والسياسة والعلم.

النتاجات الأولى

من المعروف أن أدب الخيال العلمي قد ارتبط بالأشكال القصصية لا سيما الرواية، ومن هذه الجهة اتصلت نشأته بالكاتب الفرنسي جون فيرن الذي نشر أول قصة في أدب الخيال العلمي سنة 1863 بعنوان "خمسة أسابيع في منطاد"، ثم توالت النتاجات القصصية في هذا الباب، فنشر البريطاني ويلز روايته "آلة الزمن" عام 1895 وغيره كُثر، حتى أمسى أدب الخيال العلمي يوازي في زخمه في البلاد المتقدمة خاصة ما تمخض عنه النتاج القصصي التقليدي عامة، وكانت تلك النتاجات مادة للسينما والأعمال الدرامية المختلفة، أما شعر الخيال العلمي فنادر.

ويشير د. أحمد علي محمد في كتاب "دراسات في الأدب العلمي" إلى أن البعض من روايات الخيال العلمي رمت إلى إزالة الجفوة عن الأساليب التي اعتمد عليها كتّاب أدب الخيال العلمي في التعبير عن موضوعاتهم، وهي أساليب افتقرت في معظمها إلى جماليات الأدب التي تشخص في اللغة الأدبية وفي الخيال التصويري البارع الذي يقدم للقارئ جرعة لذيذة يستسيغ من خلالها المضمون مهما كان معقداً. وقد أخذ معظم نقاد الأدب على كتّاب أدب الخيال العلمي افتقارهم إلى الناحية الجمالية التي يعد الأسلوب الأدبي أحد أركانها، وهو أمر يشير بوضوح إلى أن الاستاطيقيا إنما وجدت في الفن عامة وفي الأدب خاصة مجالاً رحباً للتعبير عن ذاتها، ما حمل الكثير من المهتمين بالظاهرة الجمالية على الاعتقاد بأن علم الجمال إنما هو علم الفن نفسه.

في البيئة العربية

إن أغلب ما كُتب في اللغة العربية تحت مسمى نقد الأدب العلمي لا يرقى إلى المستوى المعرفي الذي بلغه ذلك الأدب، والسبب في أن الذين تناولوا نقد أدب الخيال العلمي لم يمتلكوا معارف علمية تمكنهم من فهمه ومن ثم تقييمه تقييماً صحيحاً، ذلك لأن لأدب الخيال العلمي بيئة علمية ومضامين مستأصلة من رحم المعارف التخصصية.

ولقد ظنّ نفر من النقاد أن أدب الخيال العلمي ليس إلا ضرباً من الفانتازيا أو اليوتوبيا، لكنه برأي د. أحمد علي محمد أنه أدب يمس حياتنا، وهو جزء من الواقع الحالي للحياة العصرية، ولم يعد هناك أي معنى لوصفه ضرباً من الفانتازيا أو اليوتوبيا الحالمة.

أما د. أحمد زويل فيرى أن أدب الخيال العلمي في الأدب العربي شديد الغربة عن واقعه وبيئته، لأن البيئة العربية برأيه فقيرة علمياً، كما أن النقد لم يضع في حسبانه إرساء الثقافة العلمية لدى القارئ، فتضاعفت بذلك الأسباب ليمضي الأدب العلمي في طريق شبه مسدودة من جهة تلقيه، على الرغم من محاولات كتّاب الأدب العلمي لتأسيس ثقافة علمية لدى القراء. إلا أن تلك الجهود ظلت محدودة ولم تلقَ من قِبل النقاد استجابة حقيقية، وبقي الحيز الذي يشغله الأدب العلمي في الحياة الثقافية والأدبية العربية ضئيلاً جداً.

----

الكتاب: دراسات في الأدب العلمي

الكاتب: د. أحمد علي محمد

الناشر: اتحاد الكتاب العرب، دمشق