إن الإلمام بالفلسفة العربية الإسلامية بصورة إجمالية هو ما هدف إليه الكاتب ماجد فخري في كتابه "تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ القرن الثامن حتى يومنا هذا"، وخصوصاً أن الفلسفية الإسلامية حصيلة عمل فكري مركب، اشترك فيه السريان والعرب والفرس والأتراك والبربر وسواهم اشتراكاً فاعلاً، لكن دور العنصر العربي كان راجحاً إلى حد جاز معه اعتبار تسميتها بالفلسفة العربية، كون اللغة العربية كانت الأداة التي اختارها المؤلفون للتعبير عن أفكارهم.

أكد الكاتب ماجد فخري أنه لولا عناية العرب المنيرة بالعلوم القديمة، لتعذر أو كاد أي تقدم أو استمرار في هذا النشاط الفكري، ثم إن العرب إذ تمثلوا عادات الأمم التي خضعت لهم، واقتبسوا أساليبها ومعارفها، انفردوا بتقديم العنصر الجامع الأوحد في مركب الثقافة الإسلامية جملة، ألا وهو الدين الإسلامي.

يضم الكتاب اثنا عشر باباً تناول فيها: تراث اليونان والإسكندرية والمشرق، بالإضافة إلى باب المشادات السياسية والدينية الأولى وطلائع التأليف الفلسفي المظلم في القرن التاسع، وتكامل الأفلاطونية الجديدة وصيغتها الإسلامية، وضم أيضاً الفيثاغورية الجديدة والترويج للعلوم الفلسفية، وانتشار الفكر الفلسفي في القرن العاشر، بالإضافة إلى باب التفاعل بين الفلسفة والعقيدة، ونشوء التصوف الإسلامي وتطوره، وضم أيضاً الحقبة الأندلسية والعودة إلى المشائية، والتطورات الفلسفية بعد ابن سينا، والردة الكلامية والرجوع إلى السنة، والتيارات الحديثة المعاصرة.

وأشار الكاتب في كتابه إلى أن نشأة التيار الفلسفي وتطوره، هما الغرض الرئيسي من وضع هذا الكتاب. كما ظهرت بوادر المذهب الفلسفي الإسلامي مع الترجمات الأولى لمؤلفات الأعلام اليونان من السريانية أو اليونانية إلى العربية، كما أنه بوسعنا أن نأخذ بالرواية المتداولة التي تعتبر المؤلفات العلمية والطبية أقدم ما ترجم إلى العربية، فالعرب الذين أسهموا إسهاماً وافراً في بعث النهضة العلمية والفلسفية في الإسلام كانوا عمليين في تفكيرهم، لذلك كان إقبالهم على المناحي المجردة في الفكر اليوناني مرحلة لاحقة.

تناول الدكتور فخري من خلال كتابه إنجازات العرب ونشاطاتهم الفكرية والثقافية في الشرق الأدنى في القرن السابع عشر وما توصل إليه العرب من نشاطات بالمراكز الفكرية في تلك الفترة، بالإضافة إلى ترجمات النصوص الفلسفية وتعريب العلوم الأعجمية لنقل المؤلفات العلمية والطبية القديمة إلى العربية، بالإضافة إلى المؤثرات الفارسية والهندية، وذكر شواهد عدة أثبتت إطلاع العرب على الفكر الهندي والفارسي.

كما ذكر الكاتب الانقسامات الدينية السياسية في القرن التاسع، فكان المسلمون أكثر انهماكاً بالقضايا السياسية والعسكرية الملحة التي جابهتهم، إضافة إلى الاهتمام بالشعر الذي كثيراً ما خدم الأغراض السياسية في ذلك الوقت، والمناظرات الدينية والسياسية التي مهدت لها النزاعات السياسية الأولى التي أدت إلى زعزعة الوحدة الدينية في العصر الإسلامي الباكر، فكان للعقائد الدينية تأثير بعيد المدى في نشأة الحركة الفلسفية وتطورها.

وتطرق الكاتب إلى دور الكندي كأول مؤلف فلسفي مبدع في الإسلام وما قدمه من نتاج ضخم في الفلسفة والعلوم، ويعتبر في طليعة الموسوعيين في الإسلام، فكان مناصراً لحركة الترجمة وراعياً لها؛ حيث كان له الفضل بتعريف العالم الإسلامي بالمؤلفات اليونانية والهندية، وكان له دوراً في خدمة الحركة الفلسفية والكلامية الناشئة في القرن التاسع. كما تناول أيضاً نظريات الفارابي التي ارتقت بالعقل البشري كون الفارابي يعتبر من الفلاسفة الذين وضعوا الصيغة العربية للأفلاطونية الجديدة وأول مفكر كبير في تاريخ الحركة الفلسفية منذ عهد بركلس. ونوه أيضاً إلى دور ابن سينا في انتشار الفكر الفلسفي في القرن العاشر الذي جسده أبو حيان التوحيدي ويحيى بن عدي ومسكويه خازن السلطان البويهي.

يقدم الكتاب تاريخاً جامعاً أو شبه جامع، ييسر للقارئ مهمة الإلمام بالفلسفة العربية الإسلامية بصورة إجمالية، ويدل على النواحي التي ينبغي مواصلة البحث والتنقيب فيها، وذلك بالاعتماد على ما نشر من نصوص فلسفية محققة.

وخلافـاً لـسرد الأخبار والروايات الفلسفية، لابد من أن يشمل هذا المنهج قدراً كبيراً من التأويـل والتقييم إلى جانب سرد الوقائع والمعلومات، وعرض القضايا، وتعداد المؤلفين، ولذلك وجد المؤلف أنه من المفيد إعادة النظر في نواح من هذا الموضوع قد سبقه آخرون إلى درسها، للاستفادة مما أنجزوه، وفي هذا السياق آثر الاعتماد بالدرجة الأولى على نصوص الفلاسفة أنفسهم، بينما سلك في شرح المذاهب الفلسفية والآراء الكلامية مسلكاً اضطره أحياناً،كما يقول، للاستعانة بدراسات الثقات من المؤلفين المحدثين.

----

كتاب: تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا

المؤلف: د. ماجد فخري

ترجمة: د. كمال اليازجي – دار المشرق – بيروت 1986