تدل المباني التاريخية والمآثر المعمارية الإسلامية المنتشرة في سورية على مدى الرقي الفني الذي وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية في مختلف عصورها، والتي استطاعت أن تواجه كل أنواع التحدي الذي تعرضت له على مدى قرون طويلة.

في العهد الأموي نقل الخليفة معاوية بن أبي سفيان العاصمة من المدينة والكوفة إلى دمشق، وكان هذا الانتقال ذا تأثير كبير على الحضارة الإسلامية، وازداد انتشار الإسلام، ودخلت شعوب مختلفة في هذا الدين، وأصبحت دولة المسلمين تشمل بلاد الرافدين وفارس وقسماً من بلاد الهند، حتى بلغت كاشغر في الصين شرقاً، وبلاد سورية ومصر وشمال أفريقيا والأندلس حتى فرنسا.

وقد جمع الأمويون شتى الطرز والفنون المعمارية وطبعوها بطابع عقيدتهم، حتى غدت فناً متفرداً، فقد حوروا الأساليب المعمارية السورية لتفي بالمقاصد التي يتوخاها المسلمون لأبنيتهم ومنشآتهم.

وكان المسجد الجامع في دمشق أول نجاح معماري في الإسلام، حيث حقق الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك حين بنى مسجده تطوراً كبيراً في التشكيل والصياغة المعمارية. وفي العام 749 م انتقلت الخلافة إلى العباسيين الذين حافظوا على الأنموذج الراقي أو أنموذج الكوفة، لكن المساجد في هذا العصر أخذت أبعاداً واسعة، كما طرأ تحول على شكل المئذنة.

ثم استولى السلاجقة على سورية فأحدثوا تجديداً في الحياة المعمارية. كذلك في العهد الأيوبي طرأ ازدهار وتطور في فن عمارة المساجد من حيث ازدياد ارتفاع القباب وتنوع أشكالها.

كما بلغت عمارة المساجد وهندستها أبهى مظاهرها في العهد المملوكي، وكثرت فيها التزيينات والزخارف، وظهر لأول مرة الشكل الأسطواني في بعض المآذن. وفي العصر العثماني طرأ تطور هام على تصميم المساجد من ناحية بناء الحرم على قاعدة مربعة مسقوفة بقبة كبيرة من طابق واحد كثير النوافذ، كما أصبحت القباب عنصر التغطية، وزاد ارتفاع المآذن وهي أسطوانية الشكل كثيرة الأضلاع.

ومن مساجد سورية الجامع الأموي في دمشق، والجامع الكبير في حلب، والجامع الكبير في حماه، والجامع الكبير في حمص، والجامع العمري في بصرى، والجامع الكبير في درعا، وجامع التوتة في حلب، والجامع الكبير في اللاذقية، وجامع السنجقدار في دمشق، وجامع خالد بن الوليد في حمص.

المدارس

يرجع الفضل في بناء المدارس في سورية إلى السلطان نور الدين محمود زنكي، الذي بنى المدرسة النورية وهي المدرسة الأولى في دمشق 1172 م، واستمر بناء المدارس بعد ذلك في العصور المتتالية حتى بلغت 100 مدرسة في دمشق مطلع القرن العاشر أشهرها العادلية والظاهرية والجمقمقية، كما تسابق الخلفاء والأمراء لبناء المدارس ورصد الأوقاف الواسعة لخدمتها.

والمدرسة السورية كمنشأة معمارية على اختلاف أشكالها يبقى تخطيطها متقارباً، فهي تتألف من قاعات للتدريس وحجرات للأساتذة والطلاب ومصلى وميضآت، وقد تتضمن مدفناً مقبباً لمنشئ المدرسة، كما تتضمن إيواناً للتدريس صيفاً.

ومن مدارس سورية المدرسة النورية الكبرى والمدرسة العمرية الشيخة والمدرسة الماردانية، والمدرسة العادلية الكبرى، والمدرسة السلطانية والمدرسة الشامية، ومدرسة أبي الفداء ومدرسة الفردوس، والمدرسة الجمقمقية والمدرسة الخسروية والمدرسة العثمانية.

البيمارستانات

أول من أنشأ البيمارستانات كمنشأة معمارية مستقلة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك، وكانت هذه المؤسسات ذات وظيفة صحية وإنسانية بوقت واحد، وشأنها شأن المشافي الجامعية.

وقد برع في المشافي الإسلامية أطباء أفذاذ أمثال الفارابي وابن سينا وأبي بكر الرازي، كما برز الطبيب ابن النفيس في البيمارستان النوري بدمشق، كذلك أشرف الطبيب ابن أبي الوقار على البيمارستان النوري في حلب، وكان يُنفق على هذه المؤسسات الطبية عن طريق الأوقاف التي تنوعت وشملت أموراً كثيرة.

ومن أهم البيمارستانات البيمارستان النوري في دمشق، والبيمارستان الأرغوني (الكاملي)، والبيمارستان القيمري.

الدور والقصور

لقد بقي نظام عمارة الدور والقصور في سورية خلال العصور المتتالية مشابهاً لعمارة القصور في العهد الأموي، مع ما أضيف إليها من زيادات، وقد أصبحت متميزة بحيث عُرفت بنظام العمارة الشامية.

ولا تزال البيوت والدور الأثرية والتاريخية قائمة في سورية، وترجع إلى العهد العثماني، ويندر وجود بيت يرجع إلى ما قبل هذا العصر، وقد ضمت المدن السورية خاصة دمشق وحلب وحماه الكثير من بدائع هذه الدور التي تتشابه في مخطط بنائها، وتعتبر مثالاً رائعاً للذوق الرفيع الذي تحلت به العمارة العربية الإسلامية.

ومن أبرزها قصر الحير الغربي، وقصر العظم في دمشق، وقصر العظم في حماه، ودار أحقباش في حلب، ودار جنبلاط، وبيت السباعي في دمشق.

----

الكتاب: روائع العمارة العربية الإسلامية في سورية

الكاتب: أحمد فائز الحمصي

الناشر: وزارة الأوقاف، دمشق