سيغموند فرويد وكارل غوستاف يونغ، هما أعظم عالمي نفس في تاريخ البشرية. ومع أن دراسات يونغ قد تخطت ونقضت بعضاً من دراسات فرويد في التحليل النفسي، إلا أن فرويد كان ولا يزال مؤسساً للتحليل النفسي لا يمكن تجاهله.

تتميز الرسائل المتبادلة بين فرويد ويونغ بالاحترام الشديد، والخوض في المسائل العلمية والاختبارات السريرية. يقدر كل منهما الآخر ويشكره على نقده لأبحاثه. يقول فرويد في رسالة مؤرخة في 11 نيسان 1906: "أنا واثق بأك ستكون لي سنداً على الدوام، لكنني سأتقبل منك أي نقد أو تصحيح بكل سعادة". ويرد يونغ: "إنني أكنّ بالغ التقدير لآرائك في التحليل النفسي، فهي التي ساعدتنا في مجال علم الأمراض النفسية. إلا أنني ما زلت بعيداً كل البعد عن استيعاب علاج ونشأة الهستيريا، لأن مادتنا بما يتعلق بالهستيريا لا تزال هزيلة إلى حد ما. وهذا يعني أن منهجك العلاجي لا يقتصر على الاعتماد على التأثيرات التي تنتج عن العلاج بالتحليل النفسي، لكنه يعتمد أيضاً على بعض العلاقات الشخصية. ويبدو لي أنه على الرغم من كون منشأ الهستيريا جنسي في الغالب، إلا أنه لا يقتصر على الجنس وحده".

ويشير يونغ إلى أن عامل الجوع يتواجد متحداً مع العامل الجنسي في النفس البشرية، وهو ما يدفع فرويد إلى الرد: "ليس لديّ أي اعتراض بما يخص إرفاق الأهمية ذاتها للدافع الأساسي الآخر (الجوع) إذا تمكن فقط من إثبات نفسه في مجالات الاضطرابات العصبية والنفسية بما لا يدع مجالاً للشك".

يطري يونغ على فرويد، ويشكره على منحه له التقدير العالي على أبحاثه النفسية، ويؤكد له أن دراسات فرويد قد فتحت أمامه الآفاق الواسعة، وحفزته على التقدم في أبحاثه، بالإضافة إلى أن شخصية فرويد كامنت مفتاحاً إضافياً لفهم دراساته العميقة: "وكل ما أخشاه أنك تغالي في تقديري وتقدير قدراتي. استطعت بمساعدتك أن أرى الأشياء بعمق كبير، ولكن ما زال أمامي الكثير لأراها بوضوح. ومع ذلك، لدي شعور بأنني أحرزت تقدماً داخلياً عميقاً منذ أن تعرفت عليك شخصياً، ويبدو لي أنه لا يمكن لأحد أن يفهم تعاليمك وأبحاثك تماماً ما لم يعرفك شخصياً".

من بين الرسائل تلك التي تظهر أن فرويد يغدق على يونغ بالمديح: "يمكنني أن أقول بكل فخر إنك تجسيد لروحي، ولكنك في الوقت نفسه شيء فني ورقيق وسام وهادئ، وهو شيء له أفضلية لدي، ولم أكن لأنتجه أبداً من ذاتي، لأن صعوبات العمل ما زالت تواجهني".

هذه العلاقة الوطيدة لم تكن لتستمر، ففي رسالة من فرويد ليونغ يقول فرويد: "إن الشخص الذي يتصرف بشكل غير طبيعي وهو يصرخ بأنه طبيعي، يعطي أرضية للشك في أنه يفتقر إلى البصيرة في مرضه. وفقاً لذلك أقترح أن نتخلى عن علاقاتنا الشخصية كلياً. لن أخسر شيئاً بسبب ذلك، لأن رابطتي العاطفية الوحيدة معك اقتصرت منذ فترة طويلة على خيط رفيع، إضافة إلى التأثير المستمر لخيبات الأمل السابقة". ويتابع فرويد: "لن يكون لديك أي سبب للشكوى من قلة الاستقامة من جانبي فيما يتعلق بالتعهد المشترك للسعي لتحقيق الأهداف العلمية؛ يمكنني القول إنه لا يوجد سبب في المستقبل أكثر من الماضي".

قالت صحيفة النيويورك تايمزعن الكتاب: "يمكن لأي قارئ أن يخمن مبكراً أن هاتين الشخصيتين العظيمتين في طريقهما إلى التصادم من البداية، وهذا ما يعطي الكتاب سحره".

----

الكتاب: رسائل يونغ وفرويد

ترجمة: زهرة حسن

الناشر: منشورات تكوين، الكويت، 2019