يعتقد الشاعر والروائي ستيفن دوبنز أن القصيدة تأتي إلى حيز الوجود حين ترتبط العاطفة بالصورة والفكرة باللغة، وما يجري إنشاؤه هو استعارة تمثل جانباً ما، أما بالنسبة إلى العالم من حوله فهي بمنزلة وعاء من الكلمات التي تنقل المشاعر.

بالنسبة إلى ستيفن دوبنز فإن القارئ هو الذي يصنع القصيدة، لأنه إذا لم يستطع (القارئ المثالي) أن يعيد خلق العاطفة من كلمات الشاعر، فلا توجد هناك قصيدة، كما يجب أن يكون القارئ قادراً على جعل المشاعر مشاعره الخاصة به، فلا يكفي أن يفهم بل أن يكون شاهداً على تجربة شخص آخر، لذا يمكن القول – بحسب دوبنز – إن القصيدة ليست على الكاتب بل عن القارئ، وإنه دون هذا الرابط مع القارئ لا تكون القصيدة إلا خليطاً من الكلمات فحسب.

والرواية عنده تخلق عالماً بديلاً، في حين تخلق القصيدة استعارة لجانب من جوانب العالم الحالي، علماً أن العالم داخل الرواية قد يكون استعارة أيضاً، لكنه لا يزال عالماً مكتملاً، ولا يمكن لرواية أو قصيدة أن توجد دون القارئ، لكن القصيدة تدعو القارئ إلى غرفتها، وفيها يخلق المرء غالباً تجربة منفردة، أيضاً يكون التواصل من خلال القصيدة مع القارئ مادياً أكثر بسبب ضوضاء القصيدة وإيقاعاتها وموسيقاها وشدة عواطفها والتواصل مع القارئ الذي نشعر أنه حميمي أكثر.

وعند دوبنز فإن النص المكتوب هو مجموعة من المعلومات التي يحكمها غرض ما، وهذا الغرض يحدد كيفية ترتيب المعلومات، كما يُحدد الغرض من الكتابة لدى فئة معينة من خلال وظيفتها التي قد لا تكون في الفن أكثر من مجرد إعطاء المتعة.

والغرض في الغالب يوصل من خلال البنية التي يقدم من خلالها النص المكتوب معلومات للقارئ، فالبنية هي استراتيجية مفروضة على الزمن، وحقيقة أن النص المكتوب له غرض يجعل من الضروري أن يكون له بنية، مما يعني أنه يجب أن يكون للبنية بداية ووسط ونهاية.

والبنية هي شيئان في آن واحد، إنها الترتيب الذي تنشر فيه المعلومات، وهي أيضاً المعلومات بحد ذاتها، وهذه الوظيفة المزدوجة للبنية تصبح أكثر أهمية في الفنون، إذ يمكن أن تحمل بنية القصيدة أو القصة أو الرواية كماً كبيراً من المعلومات بقدر ما يحمل المضمون الفعلي، ويعرّف دوبنز البنية أيضاً على أنها العناصر الرسمية للغة والتركيب والسرعة والنبرة المفروضة على العناصر غير الرسمية كالعمل والعاطفة والبيئة والفكرة، ويصبح الشكل وفق هذا التعريف عنصراً من عناصر البنية، فتكون هذه البنية هي الترتيب والطريقة معاً والتي تطرح فيها المعلومات.

والبنية تعكس وجهة نظر الكاتب للعالم، وهي مرتبطة بسيكولوجية الكاتب، فالكاتب يعطينا استعارة لعلاقته العاطفية أو النفسية أو الفكرية أو الجسدية مع ما يتخيل أنه الواقع، استعارة يقدرها دوبنز إلى حد ما، لأنها إما أن تكون مشابهة لعلاقتنا بالواقع، أو لأنها توقظ علاقتنا بالواقع.

كما يرى أن ما يهم في قسم كبير من الشعر هو اللحظة الغنائية، وهي نوع من التصعيد الشديد حين ينضح العالم العاطفي للكاتب إلى العالم العاطفي للقارئ، ووظيفة السرد الأساسية في الشعر هي إنشاء هذه اللحظة.

ويركز دوبنز على سرعة تقدم القارئ في القصيدة، والتي يعرفها بأنها اختلافات مسيطر عليها في قوة دفع القصيدة نحو الأمام، وتتأثر سرعة تقدم القارئ بتوقع القارئ ورغبته في المعرفة، كذلك بالحركة الأمامية الطبيعية للجملة الإنكليزية، وسرعة تدفق المعلومات من القصيدة إلى القارئ.

وقارئ القصيدة يتأثر إلى حد كبير بالشكل المرئي للقصيدة على الصفحة، وهذا ما يؤثر على توقع القارئ، وإلى جانب الحجم والشكل وتقدير الجهد المطلوب لقراءة القصيدة، يركز دوبنز على ضرورة فهم القارئ للعنوان، حيث يمكن لعنوان أن يوجه القارئ وينشئ سياقاً، مما يعطي إحساساً بما هو مهم أو يخلق توتراً باستخدام لغة مشحونة عاطفياً.

ولقد أشار دوبنز إلى أن السؤال عن سبب كتابة القصيدة هو أهم الأمور التي يمكن أن نسأل عنها، لأنه يوفر الوصول إلى جزء من نية القصيدة، وهنا يقول جزء لأن نية المؤلف تتحكم في كل من وسائل القصيدة وغاياتها.

ونية القصيدة يمكن أن توجد ضمن معنى كلماتها وصوتها (الصوت الفردي للكلمات وعلاقة بعضها ببعض)، ويبيّن الأنواع الثلاثة للمعنى وهي (الدلالي والضمني والنغمي)، فالدلالة هي المعنى الأساسي للكلمة، في حين يتضمن المعنى الضمني للكلمة معانيها الثانوية وأبعادها الرمزية والثقافية، أما التنغيم فهو التظليل العاطفي الذي يعطيه تشديد الكلمة ونطقها، ومن خلال التنغيم يمكننا أن نكشف نية الكاتب، فنبرة الصوت برأي دوبنز تتحكم في كيفية قراءة الكلمات والقيم الدلالية والضمنية للكلمة، كما أن نبرة الصوت هي إحدى الصفات اللغوية العامة الأربع التي تكوّن شكل القصيدة.

----

الكتاب: أفضل معان في أفضل ترتيب

الكاتب: ستيفن دوبنز

ترجمة: د. باسل المسالمة

الناشر: الهيئة السورية العامة للكتاب